البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ} (15)

الوكز : الضرب باليد مجموعاً كعقد ثلاث وسبعين . وقيل : بجمع كفه . وقيل : الوكز والنكز واللهز واللكز : الدفع بأطراف الأصابع . وقيل : الوكز على القلب ، واللكز على اللحى . وقيل : الوكز بأطراف الأصابع .

{ المدينة } ، قال ابن عباس : هي منف .

ركب فرعون يوماً وسار إليها ، فعلم موسى عليه السلام بركوبه ، فلحق بتلك المدينة في وقت القائلة ، وعنه بين العشاء والعتمة .

وقال ابن إسحاق : المدينة مصر بنفسها ، وكان موسى قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون ، فاختفى وخاف ، فدخلها متنكراً حذراً متغفلاً للناس .

وقال ابن زيد : كان فرعون قد أخرجه من المدينة ، فغاب عنها سنين ، فنُسي ، فجاء والناس في غفلة بنسيانهم له وبعد عهدهم به .

وقيل : كان يوم عيد ، وهم مشغولون بلهوهم .

وقيل : خرج من قصر فرعون ودخل مصر .

وقيل : المدينة عين شمس .

وقيل : قرية على فرسخين من مصر يقال لها حابين .

وقيل : الإسكندرية .

وقرأ أبو طالب القارىء : { على حين } ، بنصب نون حين ، ووجهه أنه أجرى المصدر مجرى الفعل ، كأنه قال : على حين غفل أهلها ، فبناه كما بناه حين أضيف إلى الجملة المصدرة بفعل ماض ، كقوله :

على حين عاتبت المشيب على الصبا . . .

وهذا توجيه شذوذ .

وقرأ نعيم بن ميسرة : يقتلان .

بإدغام التاء في التاء ونقل فتحتها إلى القاف .

قيل : كانا يقتتلان في الدين ، إذ أحدهما إسرائيلي مؤمن والآخر قبطي .

وقيل : يقتتلان ، في أن كلف القبطي حمل الحطب إلى مطبخ فرعون على ظهر الإسرائيلي ، ويقتتلان صفة لرجلين .

وقال ابن عطية : يقتتلان في موضع الحال . انتهى .

والحال من النكرة أجازه سيبويه من غير شرط .

{ هذا من شيعته } : أي ممن شايعه على دينه ، وهو الإسرائيلي .

قيل : وهو السامري ، وهذا من عدوه ، أي من القبط .

وقيل : اسمه فاتون ، وهذا حكاية حال ، وقد كانا حاضرين حالة وجد أن موسى لهما ، أو لحكاية الحال ، عبر عن غائب ماض باسم الإشارة الذي هو موضوع للحاضر .

وقال المبرد : العرب تشير بهذا إلى الغائب .

قال جرير :

هذا ابن عمي في دمشق خليفة *** لو شئت ساقكم إليّ قطينا

وقرأ الجمهور : { فاستغاثة } ، أي طلب غوثه ونصره على القبطي .

وقرأ سيبويه ، وابن مقسم ، والزعفراني : بالعين المهملة والنون بدل الثاء ، أي طلب منه الإعانة على القبطي .

قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة : والاختيار قراءة ابن مقسم ، لأن الإعانة أولى في هذا الباب .

وقال ابن عطية : ذكرها الأخفش ، وهي تصحيف لا قراءة . انتهى .

وليست تصحيفاً ، فقد نقلها ابن خالويه عن سيبويه ، وابن جبارة عن ابن مقسم والزعفراني .

وروي أنه لما اشتد التناكر بينهما قال القبطي لموسى : لقد هممت أن أحمله عليك ، يعني الحطب ، فاشتد غضب موسى ، وكان قد أوتي قوة ، { فوكزه } ، فمات .

وقرأ عبد الله فلكزه ، باللام ، وعنه : فنكزه ، بالنون .

قال قتادة : وكزه بعصاه ؛ وغيره قال : بجمع كفه ، والظاهر أن فاعل { فقضى } ضمير عائد على موسى .

وقيل : يعود على الله ، أي فقضى الله عليه بالموت .

ويحتمل أن يعود على المصدر المفهوم من وكزه ، أي فقضى الوكز عليه ، وكان موسى لم يتعمد قتله ، ولكن وافقت وكزته الأجل ، فندم موسى .

وروي أنه دفنه في الرمل وقال : { هذا من عمل الشطان } ، وهو ما لحقه من الغضب حتى أدى إلى الوكزة التي قضت على القبطي ، وجعله من عمل الشيطان وسماه ظلماً لنفسه واستغفر منه ، لأنه أدى إلى قتل من لم يؤذن له في قتله .

وعن ابن جريج : ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر .

وقال كعب : كان موسى إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة ، وكان قتله خطأ ، فإن الوكزة في الغالب لا تقتل .

وقال النقاش : كان هذا قبل النبوة ،