تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيۡنِ يَقۡتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ قَالَ هَٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ} (15)

[ الآية 15 ] وقوله تعالى : { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } قال عامة أهل التأويل : على غفلة من أهل المدينة وهو عند الظهيرة ، وذلك وقت القائلة .

وقال قائلون : { على حين غفلة } أهل البلد عن دخول موسى ، أي دخلها من غير أن شعروا به ، وعرفوا أنه موسى . على هذا التأويل الغفلة تكون على دخول موسى عليهم . وعلى الأول على غفلة أهل المدينة أي وقت غفلتهم .

فإن كان على هذا فيحتمل أن تكون غفلة أهلها هي أن كان ذلك يوم عيدهم ؛ خرجوا إليه ، فدخل هو المدينة ليطلع [ على ]{[15261]} أحوالها وأسبابها . إلا أن تكون العادة فيهم أنهم بأجمعهم يقيلون ، فذلك محتمل والله أعلم .

وقوله تعالى : { فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه } قال بعض أهل الأدب : إن قوله : { هذا من شيعته وهذا من عدوه } إنما يقال للشاهد المشار إليه ، فأما الغائب فإنه لا يقال ، لكن قالوا : إن فيه إضمارا ولطفا ؛ كأنه قال : فوجد فيها /396- أ/ رجلين يقتتلان : من نظر إليهما يقول : هذا من شيعته ، وهذا من عدوه ، ثم قال أهل التأويل : أحدهما كان إسرائيليا والآخر قبطيا .

فإن قيل : كيف سمى الإسرائيلي من شيعة موسى ؟ [ قيل : كان ]{[15262]} ذلك أول ما دخل موسى المدينة ، وبنو إسرائيل يومئذ كانوا عباد الأصنام ، وقد حبب إليهم حتى قالوا لموسى بعد ما أخرجهم من المدينة وبعد هلاك فرعون والقبط جميعا . { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } [ الأعراف : 138 ] وكذلك يقول مقاتل : كانا كافرين جميعا .

ألا ترى أنه قال : { فلن أكون ظهيرا للمجرمين } ؟ [ القصص : 17 ] لكن يخرج هذا على الإضمار ؛ كأنه [ قال : يكون { هذا }{[15263]} من شيعته وهذا ومن عدوه . أو يقول : يكون هذا من قوم ، هم شيعته ، ويبقى هذا عدوا في قوم ، هم أعداؤه . وعلى هذا يخرج تأويله أنهما كانا كافرين جميعا . لكن يخرج على ما ذكرنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فاستغاثه الذي من شيعته على الذين من عدوه } أي استغاثه الذي كان في علم الله أنه يكون من شيعته على الذي في علم الله أنه يبقى عدوا له لينصره{[15264]} . والاستغاثة هي الاستعانة والاستنصار ، أي سأله أن يكون من شيعته . وقوله تعالى : { فوكزه موسى فقضى عليه } قال أبو عوسجة : الوكزة [ الطعنة في الصدر ]{[15265]} . وقال الزجاج والقتبي وهؤلاء : الوكزة الدفعة { فوكزه } أي دفعه { فقضى عليه } قال بعضهم : أي فرغ منه كقوله : { فلما قضى موسى الأجل } [ القصص : 29 ] وقوله : { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } [ يوسف : 41 ] أي فرغ ونحوه .

وقال بعضهم : { قضى عليه } أي قتله ، وكلاهما سواء ؛ إذا قتله فقد فرغ منه ، وهو لم يتعمد قتله ، ولا قصده . لكن الله قضى أجله ، وجعل انقضاء عمره بوكزة موسى ، وهو في الظاهر قاتل ، لأنه { قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون } [ القصص : 33 ] ولم يكذب الله موسى في قوله : إنك لم تقتل .


[15261]:- ساقطة من الأصل وم.
[15262]:- في الأصل وم: وذلك.
[15263]:- من م، ساقطة من الأصل.
[15264]:- في الأصل وم: ينصره.
[15265]:- في الأصل وم: الطعن في الصدور.