معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَلَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (78)

قوله تعالى : { قال } يعني قارون ، { إنما أوتيته على علم عندي } أي : على فضل وخير وعلمه الله عندي فرآني أهلاً لذلك ، ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره . قيل : هو علم الكيمياء ، قال سعيد بن المسيب : كان موسى يعلم الكيمياء فعلم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقنا ثلثه وعلم قارون ثلثه ، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه وكان ذلك سبب أمواله . وقيل : على علم عندي بالتصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب . قوله تعالى : { أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون } الكافرة ، { من هو أشد منه قوةً وأكثر جمعاً } للأموال ، { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } قال قتادة : يدخلون النار بغير حساب ولا سؤال ، وقال مجاهد : يعني لا يسأل الملائكة عنهم ، لأنهم يعرفونهم بسيماهم . وقال الحسن : لا يسألون سؤال استعلام وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَلَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (78)

القائل قارون لما وعظه قومه وندبوه إلى اتقاء الله تعالى في المال الذي أعطاه تفضلاً منه عليه أخذته العزة بالإثم فأعجب بنفسه ، وقال لهم على جهة الرد عليهم والروغان عما ألزموه فيه { إنما أوتيته على علم عندي } ، ولكلامه هذا وجهان يحتملهما وبكل واحد منهما قالت فرقة المفسرين فقال الجمهور منهم إنه ادعى أن عنده علماً استوجب به أن يكون صاحب ذلك المال وتلك النعمة ، ثم اختلفوا في العلم الذي أشار إليه ما هو ، فقال بعضهم علم التوراة وحفظها ، قالوا وكانت هذه مغالطة ورياء ، وقال أبو سليمان الداراني{[9179]} : أراد العلم بالتجارب ووجوه تثمير المال فكأنه قال { أوتيته } بإدراكي وبسعيي ، وقال ابن المسيب : أراد علم الكيمياء ، وقال ابن زيد{[9180]} وغيره : إنما أراد { أوتيته على علم } من الله وتخصيص من لدنه قصدني به أي فلا يلزمني فيه شيء مما قلتم ، ثم جعل قوله { عندي } كما تقول في معتقدي على ما أراه .

قال الفقيه الإمام القاضي : وعلى الاحتمالين معاً فقد نبه القرآن على خطئه في اغتراره وعارض منزعه بأن من معلومات الناس المتحققة عندهم { أن الله } تعالى { قد أهلك } من الأمم والقرون والملوك من هو أشد من قارون قوة وأكثر جمعاً إما للمال وإما للحاشية والغاشية ، وقوله تعالى : { أو لم يعلم } يرجح أن قارون تشبع بعلم نفسه على زعمه ، وقوله تعالى : { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } ، قال محمد بن كعب : هو كلام متصل بمعنى ما قبله ، والضمير في { ذنوبهم } عائد على من أهلك من القرون ، أي أهلكوا ولم يُسأل غيره بعدهم عن ذنوبهم أي كل واحد إنما يكلم ويعاقب بحسب ما يخصه ، وقالت فرقة : هو إخبار مستأنف عن حال يوم القيامة أن المجرمين لا يسألون عن ذنوبهم ، قال قتادة ذلك لأنه يدخلون النار بغير حساب ، وقال قتادة أيضاً ومجاهد : معناه أن الملائكة لا تسأل عن ذنوبهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم من السواد والتشويه ونحو ذلك قوله تعالى : { يعرف المجرمون بسيماهم }{[9181]} [ الرحمن : 41 ] .

قال الفقيه الإمام القاضي : وفي كتاب الله تعالى آيات تقتضي أن الناس يوم القيامة يُسألون كقوله تعالى : { وقفوهم إنهم مسؤولون }{[9182]} [ الصافات : 24 ] وغير ذلك ، وفيه آيات تقتضي أنه لا يسأل أحد كقوله تعالى : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان }{[9183]} [ الرحمن : 39 ] ، وغير ذلك فقال الناس في هذا إنها مواطن وطوائف ، وذلك من قوله محتمل ويشبه عندي أن تكون الآيات التي توجب السؤال إنما يراد بها أسئلة التوبيخ والتقرير والتي تنفي السؤال يراد بها أسئلة الاستفهام والاستخبار على جهة الحاجة إلى علم ذلك من المسؤولين ، أي أن ذلك لا يقع لأن العلم بهم محيط وسؤال التوبيخ غير معتد به .


[9179]:في البحر المحيط: أبو سليمان الداني.
[9180]:هذا هو الاحتمال الثاني، والاحتمال الأول هو الذي قال به الجمهور.
[9181]:من الآية 41 من سورة الرحمن.
[9182]:الآية 24 من سورة الصافات.
[9183]:الآية 39 من سورة الرحمن.