الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَلَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (78)

قوله تعالى : " قال إنما أوتيته على علم عندي " يعني علم التوراة وكان فيما روي من أقرأ الناس لها ، ومن أعلمهم بها وكان أحد العلماء السبعين الذي اختارهم موسى للميقات . وقال ابن زيد : أي إنما أوتيته لعلمه بفضلي ورضاه عني فقوله : " عندي " معناه : إن عندي أن الله تعالى آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل في . وقيل : أوتيته على علم من عندي بوجوه التجارة والمكاسب . قاله علي بن عيسى . ولم يعلم أن الله لو لم يسهل له اكتسابها لما اجتمعت عنده . وقال ابن عباس : على علم عندي بصنعة الذهب وأشار إلى علم الكيمياء . وحكى النقاش : أن موسى عليه السلام علمه الثلث من صنعة الكيمياء ، ويوشع الثلث ، وهارون الثلث ، فخدعهما قارون - وكان على إيمانه - حتى علم ما عندهما وعمل الكيمياء ، فكثرت أمواله . وقيل : إن موسى علم الكيمياء ثلاثة : يوشع بن نون ، وكالب{[12387]} بن يوفنا ، وقارون ، واختار الزجاج القول الأول ، وأنكر قول من قال إنه يعمل الكيمياء قال : لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له وقيل : إن موسى علم أخته علم الكيمياء ، وكانت زوجة قارون وعلمت أخت موسى قارون . والله أعلم .

قوله تعالى : " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله " أي بالعذاب " من القرون " أي الأمم الخالية الكافرة " من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا " أي للمال ، ولو كان المال يدل على فضل لما أهلكهم وقيل : القوة الآلات ، والجمع الأعوان والأنصار ، والكلام خرج مخرج التقريع من الله تعال لقارون . أي " أو لم يعلم " قارون " أن الله قد أهلك من قبله من القرون " . " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " أي لا يسألون سؤال استعتاب كما قال : " ولا هم يستعتبون " [ الروم : 57 ] " فما هم من المعتبين " [ فصلت :24 ] وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ لقوله : " فوربك لنسألنهم أجمعين " [ الحجر : 92 ] قاله الحسن . وقال مجاهد : لا تسأل الملائكة غدا عن المجرمين ، فإنهم يعرفون بسيماهم ، فإنهم يحشرون سود الوجوه زرق العيون . وقال قتادة : لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها ، بل يدخلون النار بلا حساب وقيل : لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا . وقيل : أهلك من أهلك من القرون عن علم منه بذنوبهم فلم يحتج إلى مسألتهم عن ذنوبهم .


[12387]:في الأصول "طالوت" وهو تحريف. والتصويب من كتب التفسير.