فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَلَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (78)

{ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ( 78 ) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ( 79 ) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ( 80 ) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ( 81 ) }

{ قال إنما أوتيته } أي المال { على علم عندي } قال قارون : هذه المقالة ردا على من نصحه بما تقدم . أي إنما أعطيت ما أعطيت من المال لأجل علمي . وليس تفضيلا . وهذا العلم الذي جعله سببا لما ناله من الدنيا قيل هو علم التوراة وقيل علمه بوجوه المكاسب والزراعات ، وأنواع التجارات ، وقيل معرفة الكنوز والدفائن ، وقيل علم الكيمياء وقيل المعنى أن الله آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل علمه مني . واختار هذا الزجاج ، وأنكر ما عداه ، ثم رد الله عليه قوله هذا فقال :

{ أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ؟ } للمال ولو كان المال ، أو القوة يدلان على فضيلة لما أهلكهم الله . وقيل القوة الآلات ، والجمع الأعوان . وهذا الكلام خارج مخرج التقريع والتوبيخ لقارون ، لأنه قد قرأ التوراة ، وعلم علم القرون الأولى ، وإهلاك الله سبحانه لهم ، أو سمعه من حفاظ التواريخ قاله الكرخي .

{ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } أي لا يسألون سؤال استعتاب كما في قوله : ولا هم يستعتبون ، وما هم من المعتبين ، وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ ويحاسبون ويشدد عليهم كما في قوله تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين ، وقال مجاهد : لا تسأل الملائكة عن المجرمين لأنهم يعرفون بسيماهم ، فإنهم يحشرون سود الوجوه ، زرق العيون . وقال قتادة : لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها ، بل يدخلون النار بغير سؤال وحساب . وقيل لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية ، أو المعنى يعترفون بها بغير سؤال وقيل : لا يسألهم الله عن كيفية ذنوبهم وكميتها إذا أراد أن يعاقبهم . قال ابن عادل : وأليق الوجوه بهذه الآية الاستعتاب .