القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ إِنّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىَ عِلْمٍ عِندِيَ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنّ اللّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدّ مِنْهُ قُوّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قال قارون لقومه الذين وعظوه : إنما أوتيتُ هذه الكنوز على فضل علم عندي ، علمه الله مني ، فرضي بذلك عني ، وفَضلني بهذا المال عليكم ، لعلمه بفضلي عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة قالَ إنّمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي قال : على خبر عندي .
قال : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله إنّمَا أُوتيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي قال : لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا ، وقرأ : أوَ لَمْ يَعْلَمْ أنّ اللّهَ قَدْ أهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أشَدّ مِنْهُ قُوّةً وأكْثَرُ جَمْعا . . . الاَية .
وقد قيل : إن معنى قوله : عِنْدِي بمعنى : أرَى ، كأنه قال : إنما أوتيته لفضل علمي ، فيما أرَى .
وقوله : أوَ لَمْ يَعْلَمْ أنّ اللّهَ قَدْ أهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أشَدّ مِنْهُ قُوّةً وأكْثَرُ جَمْعا يقول جلّ ثناؤه : أو لم يعلم قارون حين زعم أنه أوتي الكنوز لفضل علم عنده علمته أنا منه ، فاستحقّ بذلك أن يُؤتى ما أُوتي من الكنوز ، أن الله قد أهلك من قبله من الأمم من هو أشدّ منه بطشا ، وأكثر جمعا للأموال ولو كان الله يؤتي الأموال من يؤتيه لفضل فيه وخير عنده ، ولرضاه عنه ، لم يكن يهلك من أهلك من أرباب الأموال الذين كانوا أكثر منه مالاً ، لأن من كان الله عنه راضيا ، فمحال أن يهلكه الله ، وهو عنه راض ، وإنما يهلك من كان عليه ساخطا .
وقوله : وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ قيل : إن معنى ذلك أنهم يدخلون النار بغير حساب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمر ، عن قتادة وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ قال : يُدْخَلون النار بغير حساب .
وقيل : معنى ذلك : أن الملائكة لا تسأل عنهم ، لأنهم يعرفونهم بسيماهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ كقوله : يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ زرقا سود الوجوه ، والملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم .
وقيل معنى ذلك : ولا يُسأل عن ذنوب هؤلاء الذين أهلكهم الله من الأمم الماضية المجرمون فيم أهلكوا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ قال : عن ذنوب الذين مضوا فيم أهلكوا ، فالهاء والميم في قوله عَنْ ذُنُوبِهِم على هذا التأويل لمن الذي في قوله : أوَ لَمْ يَعْلَمْ أنّ اللّهَ قَدْ أهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أشَدّ مِنْهُ قُوّةً . وعلى التأويل الأوّل الذي قاله مجاهد وقَتادة للمجرمين ، وهي بأن تكون من ذكر المجرمين أولى ، لأن الله تعالى ذكره غير سائل عن ذنوب مذنب غير من أذنب ، لا مؤمن ولا كافر . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنه لا معنى لخصوص المجرمين ، لو كانت الهاء والميم اللتان في قوله عَنْ ذُنُوبِهم لمن الذي في قوله مَنْ هُوَ أشَدّ مِنْهُ قُوّةً من دون المؤمنين ، يعني لأنه غير مسؤول عن ذلك مؤمن ولا كافر ، إلاّ الذين ركبوه واكتسبوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.