السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَلَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (78)

وكيف كان فقد جمع في هذا الوعظ ما فيه مزيد لكنه أبى أن يقبل بل زاد عليه كفر النعمة بأن { قال } أي : قارون في الجواب { إنما أوتيته } أي : هذا المال { على علم } حاصل { عندي } فإنه كان أعلم بني إسرائيل بالتوراة أي : فرآني له أهلاً ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره ، وقيل هو علم الكيمياء ، وقال سعيد بن المسيب : كان موسى يعلم الكيمياء فعلَّم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلَّم كالب بن يوفنا ثلثه وعلَّم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه فكان ذلك سبب أمواله ، وقيل على علم عندي بالتصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب ، ثم أجاب الله تعالى : عن كلامه بقوله تعالى : { أو لم يعلم أنّ الله } أي : بما له من صفات الجلال والعظمة والكمال { قد أهلك } وقوله تعالى : { من قبله من القرون } فيه تنبيه على أنه لم يتعظ مع مشاهدته للمهلكين الموصوفين مع قرب الزمان وبعده وقوله تعالى : { من هو أشدّ منه قوة } أي : في البدن والمعاني من العلم وغيره والأنصار والخدم { وأكثر جمعاً } في المال والرجال آخرهم فرعون الذي شاهده في ملكه وحقق أمره يوم هلكه فيه تعجيب وتوبيخ على اغتراره بقوّته وكثرة ماله مع علمه بذلك لأنه قرأ في التوراة وكان أعلمهم بها وسمعه من حفاظ التواريخ واختلف في معنى قوله عز وجل : { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } فقال قتادة : يدخلون النار بغير سؤال ولا حساب ، وقال مجاهد لا تسأل الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم وقال الحسن : لا يسألون سؤال استعلام وإنما يسألون سؤال توبيخ وتقريع ، وقيل : المراد أنّ الله تعالى إذا عاقب المجرمين فلا حاجة به إلى سؤالهم عن كيفية ذنوبهم وكميتها لأنه تعالى عالم بكل المعلومات فلا حاجة إلى السؤال ، فإن قيل : كيف الجمع بين هذا وبين قوله تعالى : { فوربك لنسألنهم أجمعين ( 92 ) عما كانوا يعملون } ( الحجر : 92 93 ) أجيب : بحمل ذلك على وقتين ، وقال أبو مسلم : السؤال قد يكون للمحاسبة وقد يكون للتوبيخ والتقريع وقد يكون للاستعتاب ، قال ابن عادل : وأليق الوجوه بهذه الآية الاستعتاب لقوله تعالى : { ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون } ( النحل ، 84 ) { هذا يوم لا ينطقون ( 35 ) ولا يُؤذن لهم فيعتذرون } ( المرسلات : 35 ، 36 ) .