فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَلَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (78)

{ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِي } قال قارون هذه المقالة ردّاً على من نصحه بما تقدّم ، أي إنما أعطيت ما أعطيت من المال لأجل علمي ، فقوله : { على عِلْمٍ } في محل نصب على الحال ، و { عندي } إما ظرف لأوتيته ، وإما صلة للعلم . وهذا العلم الذي جعله سبباً لما ناله من الدنيا ، قيل : هو علم التوراة . وقيل : علمه بوجوه المكاسب والتجارات . وقيل : معرفة الكنوز والدفائن . وقيل : علم الكيمياء . وقيل المعنى : إن الله آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل علمه مني . واختار هذا الزجاج وأنكر ما عداه . ثم ردّ الله عليه قوله هذا ، فقال : { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً } المراد بالقرون : الأمم الخالية ، ومعنى أكثر جمعاً : أكثر منه جمعاً للمال ، ولو كان المال أو القوّة يدلان على فضيلة لما أهلكهم الله . وقيل : القوّة الآلات . والجمع الأعوان . وهذا الكلام خارج مخرج التقريع والتوبيخ لقارون ؛ لأنه قد قرأ التوراة ، وعلم علم القرون الأولى وإهلاك الله سبحانه لهم { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون } أي لا يسألون سؤال استعتاب ، كما في قوله : { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [ النحل : 84 ] ، { وَمَا هُم من المعتبين } [ فصلت : 24 ] وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ ، كما في قوله : { فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 92 ] وقال مجاهد : لا تسأل الملائكة غداً عن المجرمين ؛ لأنهم يعرفون بسيماهم ، فإنهم يحشرون سود الوجوه زرق العيون . وقال قتادة : لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها ، بل يدخلون النار . وقيل : لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية .

/خ88