فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَلَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (78)

{ من القرون } من أهل القرون والأزمان السابقة .

{ المجرمون } المرتكبون للجرائم والذنوب والخطايا .

{ قال إنما أوتيته على علم عندي } رد على نصيحة قومه له ، وكأنما يريد هذا الكفور المغرور ادعاء أهليته لما بيده ، فساق بطريق الحصر أنه ما نال هذا المال إلا لعلة كائنة أنه على علم {[3123]} دقيق لديه ، أو أوتيه لعلمه ، وما أحمقه ! أيظن أن الله يعطي الدنيا من يحب ؟ كلا فإنه بحكمته قد يعطيها من لا يحب ، ولكن لا يعطي الدين إلا من أحبه ، { أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا } لقد جهل أو تجاهل أن المعبود بحق قد عذب وبطش بكثير من أهل القرون الماضية كانوا أشد منه قوة وأكثر منه مالا- فالخلاق الرزاق هو القوي الغني- مما قال الألوسي : تقرير لعلمه ذلك ، وتنبيه على خطئه في اغتراره ، وعلمه بذلك من التوراة أو من موسى عليه السلام ، أو من كتب التاريخ ، أو من القصاص ، والقوة تحتمل القوة الحسية والمعنوية ، والجمع يحتمل جمع المال وجمع الرجال ، والمعنى : ألم يقف على ما يفيده العلم . . . ويحتمل أن تكون الهمزة للإنكار . . . والمراد : رد ادعائه العلم والتعظم به بنفي هذا العلم عنه ، أي أعلم ما ادعاه ولم يعلم هذا حتى يقي نفسه مصارع الهالكين ؟ ! { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون }ولا يستخبر الآثمون الفاجرون ولا تستعلم الملائكة منهم عن ذنوبهم في الآخرة ، [ وفاعل السؤال إما الله تعالى أو الملائكة عليهم السلام ، والمراد بالسؤال المنفي هنا ، وكذا في قوله تعالى : )فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان( {[3124]}- على ما قيل- سؤال الاستعلام ، ونفي ذلك بالنسبة إليه عز وجل ظاهر ، وبالنسبة إلى الملائكة عليهم السلام لأنهم مطلعون على صحائفهم أو عارفون إياهم بسيماهم ، كما قال سبحانه : )يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام( {[3125]} ، والمراد بالسؤال المثبت في قوله عز وجل : )فوربك لنسألنهم أجمعين( {[3126]} سؤال التوبيخ والتقريع ، فلا تناقض بين الآيتين ، وجوز أن يكون السؤال في الموضعين بمعنى ، والنفي والإثبات باعتبار موضعين أو زمانين ، والمواقف يوم القيامة كثيرة واليوم طويل ، فلا تناقض أيضا ]{[3127]}


[3123]:أورد جمع من المفسرين أنه أوتي علم الكيمياء[هكذا] وأطال بعضهم في ذكر مبادئ، هذا العلم حتى زاد بحث الألوسي في هذا الشأن على ثلاثة آلاف كلمة، تعرض فيها لآراء الحكماء الأقدمين في خصائص المعادن السبعة المنطرقة، وهل هي مختلفات بالفصول فيكون كل منها نوعا.. أو مختلفات بالخواص، ونقل عن ابن ماجة [الصائغ] وأرسطو طبائع الفلزات واختلاف أعراضها، ثم رأى الشيخ أبو علي بن سينا ومن تابعه من المشارقة، ثم ما حكى ابن خلدون عنه، ومضى يوازن بين الآراء، ويتمنى للشيخ لو لم يخض فيما لم يحط بعلمه، وأقول: لعل الكثير من هذه الأقوال لم يبلغ الحقيقة، وإنما هي ظنون، ثم هل لا بد في الحصول على المال الكثير من الكيمياء؟ أليست التجارة والصناعة والزراعة وغيرها مما يجعله الله تعالى إذا شاء من أسباب وفرة المال وعظم الثراء؟!
[3124]:سورة الرحمن. الآية 39.
[3125]:سورة الرحمن. الآية 41.
[3126]:سورة الحجر. الآية 92.
[3127]:ما بين العلامتين[ ] مما جاء في روح المعاني.