قوله تعالى : { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } ، يعني : القرآن { فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك } ، فيخبرونك أنه مكتوب عندهم في التوراة . قيل : هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره على عادة العرب ، فإنهم يخاطبون الرجل ويردون به غيره ، كقوله تعالى : { يا أيها النبي اتق الله } [ الأحزاب-1 ] ، خاطب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به المؤمنون ، بدليل أنه قال : { إن الله كان بما تعملون خبيراً } ولم يقل : بما تعمل : وقال : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } [ الطلاق-1 ] . وقيل : كان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين مصدق ومكذب وشاك ، فهذا الخطاب مع أهل الشك ، معناه : إن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان رسولنا محمد ، فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك . قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : يعني من آمن من أهل الكتاب ، عبد الله بن سلام وأصحابه ، فيشهدون على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ويخبرونك بنبوته . قال الفراء : علم الله سبحانه وتعالى أن رسوله غير شاك ، لكنه ذكره على عادة العرب ، يقول الواحد منهم لعبده : إن كنت عبدي فأطعني ، ويقول لولده : افعل كذا وكذا إن كنت ابني ، ولا يكون بذلك على وجه الشك . { لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } ، من الشاكين .
{ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } من القصص على سبيل الفرض والتقدير . { فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك } فإنه محقق عندهم ثابت في كتبهم على نحو ما القينا إليك ، والمراد تحقيق ذلك والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة وأن القرآن مصدق لما فيها ، أو وصف أهل الكتاب الرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إليه ، أو تهييج الرسول صلى الله عليه وسلم وزيادة تثبيته لا إمكان وقوع الشك له ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " لا أشك ولا أسأل " . وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته أو لكل من يسمع أي أن كنت أيها السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك ، وفيه تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم . { لقد جاءك الحق من ربك } واضحا أنه لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة . { فلا تكونن من الممترين } بالتزلزل عما أنت عليه من الحزم واليقين .
وقوله تعالى : { فإن كنت في شك } الآية ، قال بعض المتأولين وروي ذلك عن الحسن : أن { إن } نافية بمعنى ما والجمهور على أن { إن } شرطية ، والصواب في معنى الآية أنها مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد بها سواه من كل من يمكن أن يشك أو يعارض ، وقال قوم : الكلام بمنزلة قولك إن كنت ابني فبرَّني{[6228]} .
قال القاضي أبو محمد : وليس هذا المثال بجيد وإنما مثال هذه قوله تعالى لعيسى «أأنت قلت للناس اتخذوني »{[6229]} . وروي أن رجلاً سأل ابن عباس عما يحيك في الصدر من الشك فقال : ما نجا من ذلك أحد ولا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل عليه { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } .
قال القاضي أبو محمد : وذكر الزهراوي أن هذه المقالة أنكرت أن يقولها ابن عباس وبذلك أقول ، لأن الخواطر لا ينجو منها أحد وهي خلاف الشك الذي يحال فيه عليه الاستشفاء بالسؤال ، و { الذين يقرأون الكتب من قبلك } هم من أسلم من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية : «أنا لا أشك ولا أسأل »{[6230]} وقرأ «فسل » دون همز الحسن وأبو جعفر وأهل المدينة وأبو عمرو وعيسى وعاصم ، وقرأ جمهور عظيم بالهمز ، ثم جزم الله الخبر بقوله { لقد جاءك الحق من ربك } ، واللام في { لقد } لام قسم ، و { الممترين } معناه الشاكين الذين يحتاجون في اعتقادهم إلى المماراة فيها ، وقوله { مما أنزلنا إليك } يريد به من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في أمره إلا من بعد مجيئه ، وهذا قول أهل التأويل قاطبة .
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الذي يشبه أن ترتجى إزالة الشك فيه من قبل أهل الكتاب ، ويحتمل اللفظ أن يريد بما أنزلنا جميع الشرع ولكنه بعيد بالمعنى لأن ذلك لا يعرف ويزول الشك فيه إلا بأدلة العقل لا بالسماع من مؤمني بني إسرائيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.