الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (94)

وقوله عز وجل : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ } [ يونس : 94 ] .

الصوابُ في معنى الآية : أنها مخاطبةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والمراد بها سِوَاهُ مِنْ كُلِّ من يمكِنُ أن يشُكَّ أو يعارِض .

( ت ) : ورُوينَا عن أبي داود سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ ، قال : حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، قال : حدَّثنا يزيدُ بن هَارُونَ ، قال : حدَّثنا محمَّد بنِ عَمْرٍو ، عن أَبي سَلَمَةَ ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : ( المِرَاءُ في القُرْآنِ كُفْرٌ ) ، قال عِيَاض في «الشفا » : تأول بمعنى «الشك » ، وبمعنى «الجِدَال » . انتهى .

و{ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ } من أسلم من أهْلِ الكتاب ، كابن سَلاَمٍ وغيره ، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لَمَّا نزَلَتْ هذه الآية : ( أَنَا لاَ أَشُكُّ وَلاَ أَسْأَلُ ) ، ثم جزم سبحانه الخَبَر بقوله : { لَقَدْ جَاءَكَ الحق مِن رَّبِّكَ } ، واللام في «لَقَدْ » لامُ القَسَم .

وقوله : { مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } يريد به : من أَن بني إِسرائيل لم يختلفوا في أمْره إِلا مِنْ بعد مجيئهِ عَلَيْه السلام ؛ هذا قول أهل التأويل قاطبة .

قال ( ع ) : وهذا هو الذي يشبه أنْ تُرْجَى إِزالةُ الشَّكِّ فيه مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الكتاب ، ويَحتملُ اللفظُ أَنْ يريد ب{ مَا أَنزَلْنَا } جميعَ الشرع .

( ت ) : وهذا التأويلُ عندي أُبَيْنُ إِذَا لُخِّص ، وإِن كان قد استبعده .

( ع ) : ويكون المراد ب{ مَا أَنزَلْنَا } مَا ذكره سبحانه من قصصهم ، وذِكْرِ صفته عليه السلام ، وذكْرِ أنبيائهم وصِفَتِهم وسيرهم وسائِرِ أخبارهم الموافِقَةِ لِمَا في كتبهم المنزَّلة على أنبيائهم ؛ كالتوراة والإِنجيل والزَّبُور والصُّحُف ، وتكون هذه الآية تَنْظُر إِلى قوله سبحانه : { مَا كَانَ حَدِيثًا يفترى ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ } [ يوسف : 111 ] ، فتأمَّله ، واللَّه أعلم ،

وأما قوله : هذا قولُ أهْل التأويل قاطبةً ، فليس كذلكَ ، وقد تكلَّم صاحب «الشفا » على الآية ، فأحْسَنَ ، ولفظهُ : واختلف في معنى الآية ، فقيلَ : المرادُ : قُلْ يا محمَّد للشاكِّ : { إِن كُنتَ فِي شَكٍّ } [ يونس : 94 ] ، قالوا : وفي السورة نَفْسِهَا ما دلَّ على هذا التأويل ، وهو قوله تعالى : { قُلْ يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } الآية ، [ يونس : 104 ] ، ثم قال عياضٌ ، وقيل : إِن هذا الشكَّ : الذي أُمِرَ غَيْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بسؤالِ الذين يقرؤون الكتاب عنه ، إِنما هو في ما قصَّهُ اللَّه تعالى من أخبار الأمم ، لا فيما دعا إِلَيْه من التوحيد والشريعة . انتهى .

94