الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (94)

قوله تعالى : { فَإِن كُنتَ } : في " إنْ " هذه وجهان ، الظاهر منهما : أنها شرطيةٌ ، ثم استشكلوا على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكنْ في شك قط . قال الزمخشري : " فإن قلت كيف قال لرسوله : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ } مع قوله للكفرة : { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } [ هود : 110 ] ؟ قلت : فرقٌ عظيم بين إثباته الشكَّ لهم على سبيل التوكيد والتحقيق ، وبين قوله : " فإن كنت " بمعنى الفَرَض والتمثيل " . وقال الشيخ : " وإذا كانت شرطيةً فقالوا : إنها تدخُل على الممكنِ وجودُه أو المحقَّقِ وجودُه المبهمِ زمنُ وقوعِه كقوله تعالى : { أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] . قال " والذي أقولُه إنَّ " إنْ " الشرطية تقتضي تعليق شيءٍ على شيء ، ولا تستلزمُ تحتُّمَ وقوعِه ولا إمكانَه ، بل قد يكون ذلك في المستحيل عقلاً كقولِه تعالى : { إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] ، ومستحيلٌ أن يكونَ له ولدٌ فكذلك [ هذا ] ، مستحيلٌ أن يكون في شك ، وفي المستحيل عادةً كقوله تعالى : { فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ } [ الأنعام : 35 ] لكنَّ وقوعَها في تعليق المستحيل قليلٌ " . ثم قال : " ولمَّا خَفِي هذا الوجه على أكثر الناس اختلفوا في تخريج هذه الآية ، فقال ابن عطية : " الصواب أنها مخاطبةٌ ، والمرادُ مَنْ سواه مِنْ أمته ممَّن يمكن أن يَشُكَّ أو يعارِض " . وقيل : كنى بالشك عن الضيق . وقيل : كَنَى به عن العجب ، ووجه المجازِ فيه أن كلاً منهما فيه تَرَدُّد ، وقال الكسائي : إنْ كنت في شك أنَّ هذا عادتُهم مع الأنبياء فَسَلْهُمْ كيف كان صبر موسى عليه السلام ؟

الوجه الثاني مِنْ وجهي " إنْ " أنها نافية . قال الزمخشري : " أي : فما كنت في شك فاسأل ، يعني لا نأمرك بالسؤال لكونِك شاكَّاً ولكن لتزداد يقيناً كما ازدادَ إبراهيم عليه السلام بمعاينة إحياء الموتى . وهذا القولُ سبقه إليه الحسنُ البصري والحسين بن الفضل وكأنه فرارٌ من الإِشكال المتقدِّم في جَعْلها شرطيةً ، وقد تقدَّم جوابُه مِنْ وجوهٍ .

وقرأ يحيى وإبراهيم : " يَقْرؤون الكتب " بالجمع ، وهي مبينة أن المرادَ بالكتاب الجنسُ لا كتابٌ واحد .