إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (94)

{ فَإِن كُنتَ فِي شَكّ } أي في شك ما يسير على الفرْض والتقدير ، فإن مضمونَ الشرطيةِ إنما هو تعليقُ شيءٍ بشيء من غير تعرُّضٍ لإمكان شيءٍ منهما كيف لا وقد يكون كلاهما ممتنعاً كقوله عز وجل : { قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين } [ الزخرف ، الآية 81 ] وقوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر ، الآية 65 ] ونظائرِهما { ممَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } من القصص التي من جملتها قصةُ فرعون وقومِه وأخبارُ بني إسرائيلَ { فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ } فإن ذلك محققٌ عندهم ثابتٌ في كتبهم حسبما ألقَينا إليك والمرادُ إظهارُ نبوتِه عليه السلام بشهادة الأحبارِ حسبما هو المسطورُ في كتبهم وإن لم يكن إليه حاجة أصلاً أو وصفُ أهلِ الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوتِه عليه السلام أو تهييجه عليه السلام وزيادةِ تثبيتِه على ما هو عليه من اليقين لا تجويزِ صدورِ الشك منه عليه السلام ولذلك قال عليه السلام : «لا أشُكُّ ولا أسأَلُ » وقيل : المرادُ بالموصول مؤمنو أهلِ الكتاب كعبد اللَّه بن سلام وتميمٍ الداري وكعبٍ وأضرابِهم وقيل : الخطابُ للنبي عليه السلام والمرادُ أمتُه أو لكل من يسمع أي إن كنت أيها السامعُ في شك مما أنزلنا إليك على لسان نبيِّنا ، وفيه تنبيهٌ على أن من خالجتْه شبهةٌ في الدين ينبغي أن يسارِعَ إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلمِ فاسأل الذين يقرؤون الكتاب { لَقَدْ جَاءكَ الحق } الذي لا محيدَ عنه ولا ريبَ في حقيته { مِن رَبّكَ } وظهرَ ذلك بالآيات القاطعةِ التي لا يحوم حولَها شائبةُ الارتيابِ ، وفي التعرّض لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام من التشريف ما لا يخفى { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين } بالتزلزل عما أنت عليه من الجزم واليقينِ ودُمْ على ذلك كما كنت من قبل .