غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (94)

93

{ فإن كنت في شك } والشك في اللغة ضم الشيء بعضه إلى بعض ومنه شك الجوهر في العقد ، وشككته بالرمح أي خرقته وانتظمته ، والشكيكة الفرقة من الناس ، والشكاك البيوت المصطفة . والشاك يضم إلى ما يتوهمه شيئاً آخر خلافه ، والخطاب فيه للرسول في الظاهر والمراد أمته كقوله : { يا أيها النبي إذا طلقتم } [ الطلاق : 1 ] والدليل عليه قوله بعيد ذلك { قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني } ولأنه لو كان شاكاً في شأنه لكان غيره بالشك أولى . ويمكن أن يقال : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة ولكن ورد على سبيل الفرض والتمثيل كأنه قيل : فإن وقع لك شك مثلاً والقضية الشرطية لا إشعار فيها البتة بوقوع الشرط ولا عدم وقوعه ، بل المراد استلزام الأول للثاني على تقدير وقوع الأول . وقد يكونان محالين كقول القائل : إن كانت الخمسة زوجاً كانت منقسمة بمتساويين . وفيه من الفوائد الإرشاد إلى طلب الدلائل لأجل مزيد اليقين وحصول الطمأنينة ، وفيه استمالة لأمته والحث لهم على السؤال عما كانوا منه في شك ، وفيه أن أهل الكتاب من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك بحيث يصلحون لمراجعة مثلك فضلاً عن غيرك فيكون الغرض وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى الرسول لا وصف الرسول بالشك ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عند نزوله : لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق . وعن ابن عباس : لا والله ما شك طرفة عين ولا سأل أحداً منهم . وقيل : «إن » نافية أي فما كنت في شك يعني لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك ولكن لتزداد يقيناً . وقيل : الخطاب لكل سامع يتأتى منه الشك . ومن المسؤول منه قال المحققون : هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وعبد الله بن صوريا وتميم الداري وكعب الأحبار لأنهم هم الذين يوثق بخبرهم . ومنهم من قال : الكل سواء لأنهم إذا بلغوا حد التواتر وقرأوا آية من التوراة والإنجيل تدل على البشارة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم فقد حصل الغرض ، لأن تلك الآية لما بقيت مع توفر دواعيهم على تحريف نعته كانت من أقوى الدلائل . والظاهر أن المقصود من السؤال معرفة حقيقة القرآن وصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله : { مما أنزلنا إليك } وقيل : السؤال راجع إلى قوله : { فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } . ثم إنه سبحانه لما بين الطريق المزيل للشك شهد بحقيته فقال : { لقد جاءك الحق من ربك } ثم إن فرق المكلفين بعد المصدقين إما متوقفون في صدقه وإما مكذبون فنهى الفريقين مخاطباً في الظاهر لنبيه قائلاً { فلا تكونن من الممترين ولا تكونن } الآية .

/خ109