فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (94)

{ فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } الشك في أصل اللغة : ضم الشيء بعضه إلى بعض ، ومنه شك الجوهر في العقد ، والشاك كأنه يضم إلى ما يتوهمه شيئاً آخر خلافه ، فيتردّد ويتحير ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد غيره ، كما ورد في القرآن في غير موضع . قال أبو عمر ، محمد بن عبد الواحد ، الزاهد : سمعت الإمامين ثعلباً والمبرد يقولان : معنى : { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ }أي : قل يا محمد للكافر : فإن كنت في شك { فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ } يعني : مسلمي أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأمثاله ، وقد كان عبدة الأوثان يعترفون لليهود بالعلم ، ويقرّون بأنهم أعلم منهم ، فأمر الله سبحانه نبيه أن يرشد الشاكين فيما أنزله الله إليه من القرآن أن يسألوا أهل الكتاب الذين قد أسلموا ، فإنهم سيخبرونهم بأنه كتاب الله حقاً ، وأن هذا رسوله ، وأن التوراة شاهدة بذلك ناطقة به ، وفي هذا الوجه مع حسنه مخالفة للظاهر . وقال القتيبي : المراد بهذه الآية : من كان من الكفار غير قاطع بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بتصديقه ، بل كان في شك . وقيل : المراد بالخطاب : النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره . والمعنى : لو كنت ممن يلحقه الشك فيما أخبرناك به فسألت أهل الكتاب لأزالوا عنك الشك .

وقيل : الشك هو ضيق الصدر : أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء ، فاصبر واسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك يخبروك بصبر من قبلك من الأنبياء على أذى قومهم . وقيل : معنى الآية : الفرض والتقدير ، كأنه قال له : فإن وقع لك شك مثلاً وخيل لك الشيطان خيالاً منه تقديراً . فاسأل الذين يقرأون الكتاب ، فإنهم سيخبرونك عن نبوّتك وما نزل عليك ، ويعترفون بذلك ، لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم ، وقد زال فيمن أسلم منهم ما كان مقتضياً لكتم ما عندهم .

قوله : { لَقَدْ جَاءكَ الحق مِن رَّبّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين } في هذا بيان ما يقلع الشك من أصله ويذهب به بجملته ، وهو شهادة الله سبحانه بأن هذا الذي وقع الشك فيه على اختلاف التفاسير في الشاك هو الحق الذي لا يخالطه باطل ، ولا تشوبه شبهة .

/خ100