قوله : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ } الآية .
قال الواحديُّ " الشَّك في اللغةِ ، ضمَّ بعض الشَّيءِ إلى بعضٍ ، يقال : شَكَكْتُ الصَّيْدَ إذا رميْتَه فنظمْتَ يدهُ إلى أو رجلهُ إلى رجله ، والشِّكائِكُ من الهوادج ما شُكَّ بعضها ببعضٍ والشِّكاكُ : البُيوتُ المُصطفَّة ، والشَّكائِكُ : الأدْعياءُ ؛ لأنَّهم يشكون أنفسهم إلى قوم ليسوا منهم ، أي : يضُمُّون ، وشكَّ الرَّجُلُ في السِّلاحِ ، إذا دخل فيه وضمَّهُ إلى نفسه .
فإذا قالوا : شكَّ فلانٌ في الأمور أرادوا أنَّه وقف نفسه بين شيئين ، فيجوزُ هذا ويجوزُ هذا فهو يضم إلى ما يتوهمه شيئاً آخر خلافه " .
ولمَّا ذكر اختلافهم عندما جاءهم العلم ذكر في هذه الآية ما يُقَوِّي قلبه في صحَّة القرآن والنبوة .
أظهرهما : أنَّها شرطيةٌ ، واستشكلوا على ذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكُن في شكٍّ قط قال الزمخشريُّ : " فإن قلت : كيف قال لرسوله : " فإن كُنت في شكٍّ " مع قوله للكفرة : { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } [ هود : 110 ] ؟ قلت : فرقٌ عظيم بين إثباته والتَّمثيل " . وقال أبو حيان : فإذا كانت شرطية فقالوا : إنَّها تدخلُ على الممكن وجوده أو المحقَّقِ وجوده ، المبهم زمن وقوعه ، كقوله تعالى : { أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون } [ الأنبياء : 34 ] قال : " والذي أقوله إنَّ " إن " الشرطية تقتضي تعليق شيءٍ على شيءٍ ، ولا تستلزمُ تحقُّقَ وقوعه ولا إمكانه ، بل قد يكونُ ذلك في المستحيل عقلاً كقوله تعالى { إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين } [ الزخرف : 81 ] ، ومستحيلٌ أن يكون له ولدٌ فكذلك مستحيلٌ أن يكون في شك ، وفي المستحيل عادة كقوله تعالى : { فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرض } [ الأنعام : 35 ] لكنَّ وقوعها في تعليق المستحيل قليلٌ " .
ثم قال : " ولمَّا خفي هذا الوجه على أكثر النَّاس ؛ اختلفوا في تخريج هذه الآية فقال ابن عطيَّة : الصَّواب أنَّها مخاطبةٌ له ، والمرادُ من سواه من أمته ممن يمكنُ أن يشُكَّ أو يعارض ؛ كقوله : { يا أَيُّهَا النبي اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين } [ الأحزاب : 1 ] وقوله : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] ويدلُّ على ذلك قوله في آخر السورة : { يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } [ يونس : 104 ] وأيضاً لو كان شاكّاً في نبوة نفسه ؛ لكان شك غيره في نبوته أولى ، وهذا يوجب سقوطُ الشريعة بالكلية ، وأيضاً فبتقدير أن يكون شاكّاً في نبوَّةِ نفسه ، فكيف يزول هذا الشك بإخبار أهل الكتاب عن نبوته مع أنهم كفار ، وإن كان قَدْ حصل فيهم مؤمن إلاَّ أن قوله ليس بحجة ، لا سيَّما وقد تقرَّر أنهم حرَّفُوا التوراة ، والإنجيل ؛ فثبت أنَّ هذا الخطابَ وإن كان في الظَّاهر مع الرسول إلاَّ أنَّ المراد هو الأمة ، وعلى هذا فإنَّ الناس في زمانه كانوا فرقاً ثلاثة :
المصدقون ، والمكذبون ، والمتوقفون في أمره الشَّاكون فيه ، فخاطبهم الله تعالى بهذا الخطاب فقال : أيُّها الإنسان : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } من الهدى على لسان محمد فاسأل أهل الكتاب ليدلوك على صحَّة نُبوَّته " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.