بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ} (94)

قوله تعالى : { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } من القرآن ، { فَاسْأَلِ الذين *** يَقْرَءونَ **الكتاب مِن قَبْلِكَ } يعني : مؤمني أهل التوراة . وذلك أن كُفّار قريش ، قالوا : إنّ هذا الوحي يلقيه إليه الشيطان ، فأنزل الله تعالى : { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } فسيخبرونك أنه مكتوب عندهم في التوراة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا أسْأَلُ أحَداً ، وَلا أشُكُّ فِيهِ ، بَلْ أشُهَدُ أنَهُ الحَقُّ » . وقال القتبي : فيه تأويلان ، أحدهما : أن تكون المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد فيه غيره من الشُّكّاك ، لأن القرآن نزل عليه بمذاهب العرب وهم يخاطبون الرجل بشيء ، ويريدون به غيره ، كما قالوا : إيَّاك أعني واسمعي يا جارية . وكقوله : { يأَيُّهَا النبى اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } [ الأحزاب : 1 ] أراد به الأمة ، يدل عليه قوله تعالى في آخره : { ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياة الدنيا فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كذلك كُنتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [ النساء : 94 ] . وكقوله : { وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] . ووجه آخر : أن النّاس كانوا على ثلاث مراتب ، منهم من كان مؤمناً ، ومنهم من كان كافراً ، ومنهم من كان شاكاً ، وإنَّما خاطب بهذا الشَّاكَّ .

ثم قال : { لَقَدْ جَاءكَ الحق مِن رَّبّكَ } يعني : القرآن { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين } يعني : من الشاكين