قوله تعالى : { وقال الشيطان } ، يعني : إبليس ، لما قضي الأمر ، أي : فرغ منه فأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار . قال مقاتل : يوضع له منبر في النار ، فيرقاه فيجتمع عليه الكفار باللائمة فيقول لهم : { إن الله وعدكم وعد الحق } ، فوفى لكم به ، { ووعدتكم فأخلفتكم } ، وقيل : يقول لهم : قلت لكم لا بعث ولا جنة ولا نار . { وما كان لي عليكم من سلطان } ، ولاية . وقيل : لم آتكم بحجة فيما دعوتكم إليه ، { إلا أن دعوتكم } ، هذا استثناء منقطع معناه : لكن { دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } ، بإجابتي ومتابعتي من غير سلطان ولا برهان ، { ما أنا بمصرخكم } ، بمغيثكم ، { وما أنتم بمصرخي } ، بمغيثي . قرأ الأعمش و حمزة بمصرخي بكسر الياء ، والآخرون بالنصب لأجل التضعيف ، ومن كسر فلالتقاء الساكنين ، حركت إلى الكسر ، لأن الياء أخت الكسرة ، وأهل النحو لم يرضوه ، وقيل : إنه لغة بني يربوع . والأصل بمصرخيني فذهب النون لأجل الإضافة ، وأدغمت ياء الجماعة في ياء الإضافة . { إني كفرت بما أشركتمون من قبل } أي : كفرت بجعلكم إياي شريكا في عبادته وتبرأت من ذلك . { إن الظالمين } ، الكافرين ، { لهم عذاب أليم } .
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا محمد بن أحمد الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن رشدين بن سعد ، أخبرني عبد الرحمن بن زياد ، عن دخين الحجري ، عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة ذكر الحديث ثم قال : " يقول عيسى عليه السلام ذلكم النبي الأمي فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم فيثور من مجلسي من أطيب ريح شمها أحد ، حتى آتى ربي عز وجل فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ، ثم يقول الكفار : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ؟ فيقولون : ما هو غير إبليس ، هو الذي أضلنا ، فيأتونه فيقولون له : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا ، فإنك أنت أضللتنا . فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد ، ثم تعظم جهنم ، ويقول عند ذلك : { إن الله وعدكم وعد الحق } ، الآية .
{ وقال الشيطان لما قُضي الأمر } أحكم وفرغ منه ودخل أهل الجنة الجنّة وأهل النار النار خطيبا في الأشقياء من الثقلين . { إن الله وعدكم وعد الحق } وعدا من حقه أن ينجزه أو وعدا أنجزه وهو الوعد بالبعث والجزاء . { ووعدتكم } وعد الباطل وهو أن لا بعث ولا حساب وإن كانا فالأصنام تشفع لكم . { فأخلفتكم } جعل تبين خلف وعده كالأخلاف منه . { وما كان لي عليكم من سلطان } تسلط فألجئكم إلى الكفر والمعاصي . { إلا أن دعوتكم } إلا دعائي إياكم إليها بتسويلي وهو ليس من جنس السلطان ولكنه على طريقة قولهم :
تحية بينهم ضرب وجيع *** . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا . { فاستجبتم لي } أسرعتم إجابتي . { فلا تلوموني } بوسوستي فإن من صرح العداوة لا يلام بأمثال ذلك . { ولوموا أنفسكم } حيث أطعتموني إذ دعوتكم ولم تطيعوا ربكم لما دعاكم ، واحتجت المعتزلة بأمثال ذلك على استقلال العبد بأفعاله وليس فيها ما يدل عليه ، إذ يكفي لصحتها أن يكون لقدرة العبد مدخل ما في فعله وهو الكسب الذي يقوله أصحابنا . { ما أنا بمصرخكم } بمغيثكم من العذاب . { وما أنتم بمصرخيّ } بمغيثي وقرأ حمزة بكسر الياء على الأصل في التقاء الساكنين ، وهو أصل مرفوض في مثله لما فيه من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع أن حركة ياء الإضافة الفتح ، فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحري أن لا تكسر وقبلها ياء ، أو على لغة من يزيد ياء على ياء الإضافة إجراء لها مجرى الهاء والكاف في : ضربته ، وأعطيتكه ، وحذف الياء اكتفاء بالكسرة . { إني كفرت بما أشركتمون من قبل } " ما " إما مصدرية و{ من } متعلقة بأشركتموني أي كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم أي في الدنيا بمعنى تبرأت منه واستنكرته كقوله : { ويوم القيامة يكفرون بشرككم } . أو موصولة بمعنى من نحو ما في قولهم : سبحان ما سخركن لنا ، و{ من } متعلقة ب { كفرت } أي كفرت بالذي أشركتمونيه وهو الله تعالى بطاعتكم إياي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها من قبل إشراككم ، حين رددت أمره بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام وأشرك منقول من شركت زيدا للتعدية إلى مفعول ثان . { إن الظالمين لهم عذاب أليم } تتمة كلامه أو ابتداء كلام من الله تعالى وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.