معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (22)

وقوله : { ما أَنا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ 22 }

أي الياء منصوبة ؛ لأن الياء من المتكلّم تسكن إذا تحرك ما قبلها وتُنصب إرادة الهاء كما قرئ { لكم دينكم ولىَ دين } ( ولِى دين ) فنصبت وجُزمت . فإذا سَكن ما قبلها رُدّت إلى الفتح الذي كان لها . والياء من ( مُصْرِخِيّ ) سَاكنة والياء بعدها من المتكلم سَاكنة فحرِّكت إلى حَركة قد كانت لها . فهذا مطَّرِد في الكلام .

ومثله { يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهْ } ومثله { فَمَنْ تَبِعَ هُدَاي } ومثله { مَحْيَاي ومماتي } .

وقد خفض الياء من قوله { بِمُصْرِخِيَّ } الأعمش ويحيى بن وثَّاب جميعاً . حَدَّثني القاسم بن مَعْن عن الأعمش عن يحيى أنه خفض الياء . قال الفراء : ولعلها من وَهْم القُرَّاء طبقة يحيى فإنه قل من سَلم منهم من الوَهْم . ولعله ظَن أن الباء في ( بمصرخيّ ) خافضة للحرف كله ، والياء من المتكلّم خارجة من ذلك . ومما نرى أنهم أوهمُوا فيه قوله { نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ } ظنُّوا - والله أعلم - أن الجزم في الهاء ؛ والهاء في موضع نصب ، وقد انجزم الفعل قبلها بسقوط الياء منه .

ومما أوهموا فيه قوله { وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشيَاطِينُ } وحدَّث مندل بن علي العَنَزِيّ عن الأعمش قالَ : كنت عند إبراهيم النَخَعيّ وطَلْحةُ بن مُصَرِّف [ يقرأ ] { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعْونَ } بنصب اللام من ( حوله ) فقال إبراهيم : ما تزال تأتينا بحرف أشنع ، إنما هي { لِمَنْ حَوْلِه } قال قلت : لاَ ، إِنما هي ( حَولَه ) قال : فقال إِبراهيم يا طلحة كيف تقول ؟ قال : كما قلتَ ( لمن حَوْلِهِ ) قال الأعمش . قلت : لحنتما لا أجالسكما اليوم . وقد سمعت بعض العرب يُنشد :

قال لها هل لك يا تافِيِّ *** قالت له ما أنتَ بالمرضِىّ

فخفض الياء من ( في ) فإن يك ذلك صَحيحا فهو مما يلتقي من الساكنين فيُخفض الآخِر منهما ، وإن كان له أصْل في الفتح : ألا ترى أنهم يقولون : لم أره مُذُ اليوم ومُذِ اليوم والرفع في الذالِ هو الوجه ؛ لأنه أصل حركة مُذ والخفض جائز ، فكذلك الياء من مصرخىّ خُفضت ولها أصل في النصب .

وقوله { إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ } هذا قول إبليس . قال لهم : إني كنت كفرت بما أشركتمون يعنى بالله عز وجَل ( مِنْ قَبْل ) فجعل ( ما ) في مذهب ما يؤدّى عن الاسم 89 ب .