الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (22)

وقوله عزَّ وجلَّ : { وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر } [ إبراهيم : 22 ] المراد هنا ب«الشَّيْطَان » إِبليسُ الأَقْدَمُ ، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من طريق عُقْبَة بنِ عَامِرٍ ، أَنه قال : يقوم يومَ القيَامَةِ خَطيبَان : أَحدهما : إِبليسْ يقوم في الكَفَرة بهذه الأَلْفَاظِ ، والثاني : عيسَى ابنُ مَرْيَمَ يقومُ بقوله : { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ } [ المائدة : 117 ] .

وروي في حديث ؛ أنَّ إِبليس إِنما يقوم بهذه الألفاظ في النَّار علَى أهلها عند قولهم : { مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } [ إبراهيم : 21 ] في الآية المتقدِّمة ، فعلى هذه الرواية ، يكون معنى قوله : { قُضِيَ الأمر } ، أي : حصل أهْلُ النار في النَّار ، وأهْلُ الجنة في الجنة ، وهو تأويلُ الطبريِّ .

وقوله : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سلطان } : أي : من حجة بيِّنة ، و{ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ } استثناء منقطعٌ ، ويحتملُ أنْ يريد ب«السُّلْطان » في هذه الآية : الغلبة والقُدْرة والمُلْك ، أي : ما اضطررتكم ، ولا خوَّفتكم بقُوَّة منِّي ، بلْ عرضْتُ عليكم شيئاً فأَتَى رأْيُكُمْ عليه .

وقوله : { فَلاَ تَلُومُونِي } : يريد : بزعمه إِذ لا ذَنْبَ لي { وَلُومُوا أَنفُسَكُم } أي : في سوء نَظَركم في اتباعي ، وقلَّةِ تثبُّتكم ؛ { مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ } : «المُصْرِخُ » : المغيث ، والصَّارِخُ : المستغيث ، وأما الصَّريخ ، فهو مصدَرٌ بمنزلة البَريح .

وقوله : { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ } : «ما » مصدريةٌ ، وكأنه يقول : إِني الآن كافرٌ بإِشراككم إِيَّايَ مع اللَّه قَبْلَ هذا الوَقْتِ ، فهذا تَبَرٍّ منه ، وقد قال تعالى : { وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } [ فاطر : 14 ] .