بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (22)

قوله تعالى : { وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِىَ الأمر } روى سفيان ، عن رجل ، عن الحسن أنه قال : إذا كان يوم القيامة ، ودخل أهل النار النار ، وأهل الجنة الجنة ، قام إبليس خطيباً على منبر من نار ، فقال : { إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق ووعدتكم فأخلفتم } الآية . ويقال : إنهم لما دخلوا النار ، أقبلوا على إبليس ، وجعلوا يلومونه ، ويقولون : أنت الذي أضللتنا ، فيرد عليهم ، فبيّن الله تعالى ردّه عليهم ، لكيلا يغتروا به في الدنيا ، فذلك قوله : { وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِىَ الأمر } يعني : لما فرغ من الأمر حين دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، فقال إبليس لأهل النار : { إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق } يعني : البعث بعد الموت أو الجنة والنار { وَوَعَدتُّكُمْ } بأنه لا جنة ، ولا نار ، ولا بعث ، ولا حساب { فَأَخْلَفْتُكُمْ } فكذبتكم الوعد { وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان } يعني : لم يكن لي قدرة الإكراه والقهر . ويقال : لم أكن ملكاً فقهرتكم على عبادتي . ويقال : لم يكن لي حجة على ما قلت لكم { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ } يعني : سوى أن دعوتكم إلى طاعتي { فاستجبتم لِى } يعني : أجبتم لي طوعاً ختياراً { فَلاَ تَلُومُونِى } بدعوتي إياكم { وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ } بالإجابة { مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } أي : بمغيثكم ، فأخرجكم من النار { وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ } يقول : ولا أنتم مغيثي ، فتخرجونني من النار . { إِنّى كَفَرْتُ بِمَا *** أَشركتموني مِن قَبْلُ } قال الكلبي : فيه تقديم وتأخير . يقول : إني كفرت من قبل ما عذلتموني وكنت كافراً قبل ذلك ، فليس لكم عندي صراخ ، ولا إجابة .

وقال مقاتل : معناه إني تبرأت اليوم مما أشركتموني مع الله في طاعتي من قبل في الدنيا . وقال القتبي في قوله : إني كفرت ، وتبرأت كقوله في سورة الممتحنة : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فى إبراهيم والذين مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء أَبَداً حتى تُؤْمِنُواْ بالله وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لاًّبِيهِ لاّسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَىْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المصير } [ الممتحنة : 4 ] أي : تبرأنا منكم . وكقوله في العنكبوت : { وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم مِّن دُونِ الله أوثانا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى الحياة الدنيا ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن ناصرين } [ العنكبوت : 25 ] يعني : يتبرأ . وهذا موافق لقوله تعالى : { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] ثم قال : { إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني : الكافرين لهم عذاب دائم . قرأ حمزة { ما أنتم بِمُصْرِخِىَّ } بكسر الياء ، وهي قراءة الأعمش . وقرأ الباقون : بنصب الياء . قال أبو عبيدة : النصب أحسن . والأول ما نراه إلا غلطاً . وهكذا قال الزجاج . ويقال : هي لغة لبعض العرب . والنصب هي اللغة الظاهرة . قرأ أبو عمرو { ***أَشْرَكْتُمُونِي } بالياء عند الوصل . وقرأ الباقون بغير ياء { اشتدت به الرياح } بالألف والباقون بغير ألف .