قوله تعالى : " وقال الشيطان لما قضي الأمر " قال الحسن : يقف إبليس يوم القيامة خطيبا في جهنم على منبر من نار يسمعه الخلائق جميعا . ومعنى : " لما قضي الأمر " أي حصل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، على ما يأتي بيانه في " مريم " {[9489]} عليها السلام . " إن الله وعدكم وعد الحق " يعني البعث والجنة والنار وثواب المطيع وعقاب العاصي فصدقكم وعده ، ووعدتكم أن لا بعث ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب فأخلفتكم . وروي ابن المبارك من حديث عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال : ( فيقول عيسى أدلكم على النبي الأمي فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحد حتى آتي ربي فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي ، ثم يقول الكافرون : قد وجه المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ؟ فيقولون : ما هو غير إبليس هو الذي أضلنا فيأتونه ، فيقولون : قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فاشفع لنا فإنك أضللتنا فيثور مجلُسه من أنتن ريح شمها أحد ثم يعظم نحيبهم ويقول عند ذلك : " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم " الآية ) . " وعد الحق " هو إضافة الشيء إلى نعته{[9490]} كقولهم : مسجد الجامع ، قال الفراء قال البصريون : وعدكم وعد اليوم الحق أو وعدكم وعد الوعد الحق فصدقكم ، فحذف المصدر لدلالة الحال . " وما كان لي عليكم من سلطان " أي من حجة وبيان ، أي ما أظهرت لكم حجة على ما وعدتكم وزينته لكم في الدنيا ، " إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي " أي أغويتكم فتابعتموني . وقيل : لم أقهركم على ما دعوتكم إليه . " إلا أن دعوتكم " هو استثناء منقطع ، أي لكن دعوتكم بالوسواس فاستجبتم لي باختياركم ، " فلا تلوموني ولوموا أنفسكم " وقيل : " وما كان لي عليكم من سلطان " أي على قلوبكم وموضع إيمانكم لكن دعوتكم فاستجبتم لي ، وهذا على أنه خطب العاصي المؤمن والكافر الجاحد ، وفيه نظر ؛ لقوله : " لما قضي الأمر " فإنه يدل على أنه خطب الكفار دون العاصين الموحدين ، والله أعلم . " فلا تلوموني ولوموا أنفسكم " إذا جئتموني من غير حجة . " ما أنا بمصرخكم " أي بمغيثكم . " وما أنتم بمصرخي " أي بمغيثي . والصارخ والمستصرخ هو الذي يطلب النصرة والمعاونة ، والمصرخ هو المغيث . قال سلامة بن جندل .
كُنَّا إذا ما أتَانَا صارخٌ فَزِعٌ *** وكان الصراخُ له قرعَ الظَّنَابِيبِ{[9491]}
ولا تجزعوا إني لكم غيرُ مُصْرِخٍ *** وليس لكم عندي غَنَاءٌ ولا نَصْرُ
يقال : صرخ فلان أي استغاث يصرخ صرخا وصراخا وصرخة . واصطرخ بمعنى صرخ . والتصرخ تكلف الصراخ . والمُصْرِخُ المغيث ، والمستصرخ المستغيث ، تقول منه : استصرخني فأصرخته . والصريخ صوت المستصرخ . والصريخ أيضا الصارخ ، وهو المغيث والمستغيث ، وهو من الأضداد ، قاله الجوهري . وقراءة العامة " بمصرخي " بفتح الياء . وقرأ الأعمش وحمزة " بمصرخي " بكسر الياء . والأصل فيها بمصرخيين فذهبت النون للإضافة ، وأدغمت ياء الجماعة في ياء الإضافة ، فمن نصب فلأجل التضعيف ، ولأن ياء الإضافة إذا سكن ما قبلها تعين فيها الفتح مثل : هواي وعصاي ، فإن تحرك ما قبلها جاز الفتح والإسكان ، مثل : غلامي وغلامتي ، ومن كسر فلالتقاء الساكنين حركت إلى الكسر ؛ لأن الياء أخت الكسرة . وقال الفراء : قراءة حمزة وهم منه ، وقل من سلم منهم{[9492]} عن خطأ . وقال الزجاج : هذه قراءة رديئة ولا وجه لها إلا وجه ضعيف . وقال قطرب : هذه لغة بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء . القشيري : والذي يغني عن هذا أن ما يثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن يقال فيه هو خطأ أو قبيح أو رديء ، بل هو في القرآن فصيح ، وفيه ما هو أفصح منه ، فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذي قرأ به حمزة أفصح . " إني كفرت بما أشركتموني من قبل " أي كفرت بإشراككم إياي مع الله تعالى في الطاعة ، ف " ما " بمعنى المصدر . وقال ابن جريج{[9493]} : إني كفرت اليوم بما كنتم تدعونه في الدنيا من الشرك بالله تعالى . قتادة : إني عصيت الله . الثوري : كفرت بطاعتكم إياي في الدنيا . " إن الظالمين لهم عذاب أليم " . وفي هذه الآيات رد على القدرية والمعتزلة والإمامية ومن كان على طريقهم ، انظر إلى قول المتبوعين : " لو هدانا الله لهديناكم " وقول إبليس : " إن الله وعدكم وعد الحق " كيف اعترفوا بالحق في صفات الله تعالى وهم في دركات النار ، كما قال في موضع آخر : " كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها " [ الملك : 8 ] إلى قوله : " فاعترفوا بذنبهم{[9494]} " [ الملك : 11 ] واعترافهم في دركات لظى بالحق ليس بنافع ، وإنما ينفع الاعتراف صاحبه في الدنيا ، قال الله عز وجل : " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم{[9495]} " [ التوبة : 102 ] و " عسى " من الله واجبة{[9496]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.