تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (22)

الآية 22 : وقوله تعالى : { وقال الشيطان لما قضي الأمر } قال بعضهم : { قضي الأمر } أي أُدخِل أهل الجنة الجنة ، وأهل النارِ النارَ ؛ يقوم إبليس خطيبا في النار ، ويخطب{[9568]} ، كما ذكر .

وقال قائلون : { قضي الأمر } أي ميز ، وبُيِّْن أهل الجنة من أهل النار قبل أن يدخل أهل النار النار ، وأهل الجنة الجنة ، قام [ إبليس[ {[9569]} خطيبا ؛ فخطب لأتباعه كما ذكر .

ويحتمل قوله : { لما قضي الأمر } أي لما فرغ من الحساب ومن أمرهم . عند ذلك يخطب [ إبليس كما ]{[9570]} ذكر ، وهو كقوله : { فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين } [ الأحقاف : 29 ] أي لما فرغ من الحساب{[9571]} . فعلى ذلك هذا .

وقال بعضهم : { لما قضي الأمر } أي لما{[9572]} نزل بهم العذاب .

ويشبه أن يكون قوله : { لما قضي الأمر } هو أن الله كان قد وعد أن يقوم إبليس خطيبا لهم ، قضى الأمر ، أي أنجز ما وعد أنه يخطب .

أو أن يكون لأهل الكفر لجاجات ومنازعات في ما بينهم يوم القيامة كقوله : { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربِّنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] وكقوله : { فيحلفون له كما يحلفون لكم } الآية [ المجادلة : 18 ] يكذبون في الآخرة ، ويكون لهم لجاجة على ما كان منهم في الدنيا ، ويحتجون ، ويقولون : إن إبليس هو كان غلبنا ، وقهرنا ، لأنه كان يرانا ، ونحن لم نكن نراه ؛ فالمغلوب المقهور غير مأخوذ بما كان منه في حكمك .

تحتجُّون بمثل هذه الخرافات واللجاجات ، وتقولون : هو الذي أضلنا ، فيقوم عند ذلك إبليس خطيبا بينهم ، فيقول : {[9573]} { إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان } حتى أقهركم ، وأغلبكم ، إلا الدعاء { فاستجبتم لي } طائعين غير مقهورين ، والله أعلم بذلك .

وقوله تعالى : { إن الله وعدكم وعد الحق } يشبه أن يكون وعده ما وعد على ألسن الرسل أن البعث والجنة والنار والحساب والعذاب كائن ، لا محالة ، أو جميع ما وعد من مواعيده ، فذلك كله حق ، أي كائن ، لا محالة .

[ وقوله تعالى ]{[9574]} : { ووعدتكم } يحتمل ما ذكر حيث قال : { لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم } [ الأنفال : 48 ] وأمثاله من عداته ، كانت كلها أماني وغرورا وكذبا .

وقوله تعالى : { وما كان لي عليكم من سلطان } يحتمل وجهين :

أحدهما : أي ما كان لي عليكم من ملك وقهر وغلبة ، أقهركم ، وأغلب عليكم ، إلا الدعاء ، فاستجبتم طوعا .

والثاني{[9575]} : يحتمل قوله : { من سلطان } من حجة وبرهان ؛ أي لم يكن لي حجة وبرهان على ما دعوتكم إليه ، إنما كان لي دعاء ووساوس ، وكان للرسل حجج وبراهين ، فتركتم إجابتهم { فاستجبتم لي } بلا حجة و برهان ؛ أي لم أقهركم ، ولم أغلب عليكم .

لكن هذا لا يصلح لأنه لو كان لهم عليهم سلطان القهر والغلبة كانوا معذورين غير معذبين ، لأن المقهور المغلوب مضطر ، والمضطر معذور ، لكن للسلطان حجة .

وقوله تعالى : { فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } ليس مراده – لعنة الله – أن{[9576]} يلام ، ولكن مراده أن ارجعوا إلى لائمة أنفسكم ، واشتغلوا بها ، فإن ذلك كان منكم ، لم يكن منا إلا الدعاء .

وقوله تعالى : { ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيَّ } قيل : ما أنا بناصركم ، وما أنتم بناصري . وقيل : ما أنا بمغيثكم ، وما أنتم بمغيثي . وقيل : ما أنا بمانعكم ، وما أنتم بمانعي ما نزل في . هذا كله واحد .

وقوله تعالى : { ما أنا بمصرخكم } أي ما أنا بمالك إغاثتكم وإنقاذكم ، وما أنتم بمالكي إغاثتي ، وإلا لو كان لهم ملك ذلك لفعلوا .

وقوله تعالى : { وإني كفرت بما أشركتمون من قبل } أي كفرت بما أشركتموني في عبادة الله وطاعته ، أي{[9577]} كنت بذلك كافرا ، ويحتمل : { إني كفرت } أي تبرأت اليوم بما أشركتموني مع الله في الطاعة والعبادة .

من قبل أحد التأويلين إلى أنه يتبرأ في ذلك اليوم وقت ما قام خطيبا ، [ ومن الثاني : إلى أنه تبرأ ]{[9578]} من ذلك في الدنيا في وقت أشركوه [ لقوله تعالى ] {[9579]} { إن الظالمين لهم عذاب أليم } .


[9568]:في الأصل وم: وخطب.
[9569]:ساقطة من الأصل وم.
[9570]:في الأصل وم: ما.
[9571]:في الأصل وم: السماع.
[9572]:من م، في الأصل: ولولا.
[9573]:في الأصل وم: وقال.
[9574]:ساقطة من الأصل وم.
[9575]:في الأصل وم: و
[9576]:في الأصل وم: ألا.
[9577]:في الأصل وم: أن.
[9578]:في الأصل وم: والثاني: أني كنت تبرأت.
[9579]:ساقطة من الأصل وم.