مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (22)

{ وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر } حكم بالجنة والنار لأهليهما وفرغ من الحساب ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، ورُوي أن الشيطان يقوم عند ذلك خطيباً . على منبر من نار فيقول لأهل النار { إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق } وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفى لكم بما وعدكم { وَوَعَدتُّكُمْ } بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء { فَأَخْلَفْتُكُمْ } كذبتكم { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان } من تسلط واقتدار { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ } لكني دعوتكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني والاستثناء منقطع لأن الدعاء ليس من جنس السلطان { فاستجبتم } فأسرعتم إجابتي { فَلاَ تَلُومُونِي } لأن من تجرد للعداوة لا يلام إذا دعا إلى أمر قبيح مع أن الرحمن قد قال لكم : { لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة } { [ الأعراف : 27 ] { وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ } حيث اتبعتموني بلا حجة ولا برهان وقول المعتزلة هذا دليل على أن الإنسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه وليس من الله إلا التمكين ولا من الشيطان إلا التزيين باطل لقوله : لو هدانا الله أي إلى الإيمان { لهديناكم } [ إبراهيم : 21 ] كما مر { مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } لا ينجي بعضنا بعضاً من عذاب الله ولا يغيثه . والإصراخ الإغاثة { بمصرخيِّ } حمزة اتباعاً للخاء غيره بفتح الياء لئلا تجتمع الكسرة والياءان بعد كسرتين وهو جمع مصرخ فالياء الأولى يا الجمع والثانية ضمير المتكلم { إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ } وبالياء بصري و«ما » مصدرية { مِن قَبْلُ } متعلق ب { أشركتموني } أي كفرت اليوم بإشراككم إياي مع الله من قبل هذا اليوم أي في الدنيا كقوله { ويوم القيامة يكفرون بشرككم } [ فاطر : 14 ] ومعنى كفره بإشراكهم إياه تبرؤه منه واستنكاره له كقوله : { أَنَاْ بَرَاء مّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ } [ الممتحنة : 4 ] أو من قبل متعلق { بكفرت } و«ما » موصولة أي كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذي أشركتمونيه وهو الله عز وجل . تقول : أشركني فلان أي جعلني له شريكاً ، ومعنى إشراكهم الشيطان بالله طاعتهم له فيما كان يزينه لهم من عبادة الأوثان وهذا آخر قول الشيطان وقوله : { إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قول الله عز وجل . وقيل : هو من تمام إبليس وإنما حكى الله عز وجل ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون لطفاً للسامعين .