معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (50)

قوله تعالى :{ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } أي : مهورهن ، { وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك } رد عليك من الكفار بأن تسبي فتملك مثل صفية وجويرية ، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له { وبنات عمك وبنات عماتك } يعني : نساء قريش ، { وبنات خالك وبنات خالاتك } يعني : نساء بني زهرة ، { اللاتي هاجرن معك } إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن معه لم يجز له نكاحها . وروى أبو صالح عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطبني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له ، لأني لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقاء ، ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل . { وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين } أي . أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق ، فأما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه . واختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر ؟ فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك ، لقوله : { وامرأة مؤمنة } وأول بعضهم الهجرة في قوله : { اللاتي هاجرن معك } على الإسلام ، أي : أسلمن معك . فيدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة ، وكان النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر ، وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح لقوله تعالى : { خالصة لك من دون المؤمنين } كالزيادة على الأربع ، ووجوب تخيير النساء كان من خصائصه ولا مشاركة لأحد معه فيه . واختلف أهل العلم في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة ؟ فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والزهري ، ومجاهد ، وعطاء ، وبه قال ربيعة ومالك والشافعي . وذهب قوم إلى أنه ينعقد بلفظ الهبة والتمليك ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وأهل الكوفة . ومن قال لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج اختلفوا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم : فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد في حقه بلفظ الهبة ، لقوله تعالى : { خالصة لك من دون المؤمنين } . وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج كما في حق الأمة لقوله عز وجل : { إن أراد النبي أن يستنكحها } وكان اختصاصه صلى الله عليه وسلم في ترك المهر لا في لفظ النكاح . واختلفوا في التي وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهل كانت عنده امرأة منهن ؟ . فقال عبد الله بن عباس ، ومجاهد : لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه ، ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين ، وقوله : { إن وهبت نفسه } على طريق الشرط والجزاء . وقال آخرون : بل كانت عنده موهوبة ، واختلفوا فيها ، فقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة الهلالية ، يقال لها : أم المساكين . وقال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث . وقال علي بن الحسين ، والضحاك ومقاتل : هي أم شريك بنت جابر من بني أسد . وقال عروة بن الزبير : هي خولة بنت حكيم من بني سليم . قوله عز وجل : { قد علمنا ما فرضنا عليهم } أي : أوجبنا على المؤمنين ، { في أزواجهم } من الأحكام أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر ، { وما ملكت أيمانهم } أي : ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين ، { لكيلا يكون عليك حرج } وهذا يرجع إلى أول الآية أي : أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لك لكي لا يكون عليك حرج وضيق . { وكان الله غفوراً رحيما* }

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (50)

{ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } في معناها قولان :

أحدهما : أن المراد أزواجه اللاتي في عصمته حينئذ كعائشة وغيرها ، وكان قد أعطاهن مهورهن .

والآخر : أن المراد جميع النساء ، فأباح الله له أن يتزوج كل امرأة يعطى مهرها وهذا أوسع من الأول .

{ وما ملكت يمينك } أباح الله له مع الأزواج السراري بملك اليمين ويعني بقوله : { أفاء الله عليك } : الغنائم .

{ وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } : يعني قرابته من جهة أبيه ومن جهة أمه ، وكان له عليه الصلاة والسلام أعمام وعمات إخوة لأبيه ، ولم يكن لأمه عليه الصلاة والسلام أخ ولا أخت ، وإنما يعني بخاله وخالاته عشيرة أمه وهم بنو زهرة ، ولذلك كانوا يقولون نحن أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن قال : إن المراد بقوله : { أحللنا لك أزواجك } : من كانت في عصمته : فهو عطف عليهن ، وإباحة لأن يتزوج قرابته زيادة على من كان في عصمته ، ومن قال إن المراد جميع النساء فهو تجريد منهن على وجه التشريف بعد دخول هؤلاء في العموم .

{ اللاتي هاجرن معك } تخصيص تحرز به ممن لم يهاجر كالطلقاء الذين أسلموا يوم فتح مكة .

{ وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } أباح الله له صلى الله عليه وسلم من وهبت له نفسها من النساء ، واختلف هل وقع ذلك أم لا ؟ فقال ابن عباس : لم تكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بنكاح أو ملك يمين ، لا بهبة نفسها ، ويؤيد هذا قراءة الجمهور إن وهبت بكسر الهمزة أي : إن وقع ، وقيل : قد وقع ذلك ، وهو على هذا القول قرئ أن وهبت بفتح الهمزة ، واختلف على هذا القول فيمن هي التي وهبت نفسها فقيل : ميمونة بنت الحارث ، وقيل : زينب بنت خزيمة أم المساكين ، وقيل : أم شريك الأنصارية ، وقيل : أم شريك العامرية .

{ خالصة لك من دون المؤمنين } أي : هبة المرأة نفسها مزية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، وانظر كيف رجع من الغيبة إلى الخطاب ليخص المخاطب وحده ، وقيل : إن خالصة يرجع إلى كل ما تقدم من النساء المباحات له صلى الله عليه وسلم لأن سائر المؤمنين قصروا على أربع نسوة ، وأبيح له عليه الصلاة والسلام أكثر من ذلك ، ومذهب مالك : أن النكاح بلفظ الهبة لا ينعقد بخلاف أبي حنيفة ، وإعراب خالصة مصدر أو حال أو صفة لامرأة .

{ قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } : يعني أحكام النكاح من الصداق والولي والاقتصار على أربع وغير ذلك { لكيلا يكون عليك حرج } يتعلق بالآية التي قبله أي : بينا أحكام النكاح لئلا يكون عليك حرج أو لئلا يظن بك أنك فعلت ما لا يجوز ، وقال الزمخشري : يتعلق بقوله : { خالصة لك } .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ ٱلَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (50)

ولما كان النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وكان المراد الأعظم في هذه الآيات بيان ما شرفه الله به من {[55798]}ذلك ، أتبع ما بين أنه{[55799]} لا عدة فيه من نكاح المؤمنين وما حرمه عليهم من التضييق على الزوجات المطلقات{[55800]} بعض ما شرفه الله تعالى به وخصه من أمر التوسعة في{[55801]} النكاح ، وختمه بأن أزواجه لا تحل بعده ، فهن كمن عدتهن{[55802]} ثابتة لا تنقضي{[55803]} أبداً ، أو كمن زوجها غائب عنها وهو حي ، لأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره : { يا أيها النبي } ذاكراً سبحانه الوصف الذي هو مبدأ القرب ومقصوده ومنبع{[55804]} الكمال ومداره .

ولما كان الذين في قلوبهم مرض ينكرون خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أكد قوله : { إنا أحللنا لك أزواجك } أي نكاحهن ، قال الحرالي في كتابه في أصول الفقه : تعليق الحكم بالأعيان مختص بخاص مدلولها نحو حرمت أو حللت المرأة أي نكاحها ، والفرس أي ركوبه ، والخمر أي شربها ، ولحم الخنزير أي أكله ، والبحر أي ركوبه ، والثور أي الحرث به ، وكذلك كل شيء يختص بخاص مدلوله ، ولا يصرف عنه إلا بمشعر ، ولا إجمال فيه لترجح الاختصاص - انتهى .

ولما كان المقصود من هذه السورة بيان مناقبه صلى الله عليه وسلم وما خصه الله به مما قد يطعن فيه المنافقون من كونه أولى من كل أحد بنفسه وماله ، بين أنه مع ذلك لا يرضى إلا بالأكمل ، فبين أنه كان{[55805]} يعجل المهور ، ويوفي الأجور ، فقال : { اللاتي آتيت } أي بالإعطاء الذي هو الحقيقة ، وهي{[55806]} به صلى الله عليه وسلم أولى {[55807]}أو بالتسمية{[55808]} في العقد قال الكشاف : وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم وما لا يعرف بينهم غيره { أجورهن } أي مهورهن لأنها{[55809]} عوض عن منفعة البضع ، وأصل الأجر الجزاء{[55810]} على العمل { وما ملكت يمينك } .

ولما كان حوز{[55811]} الإنسان لما سباه أطيب لنفسه وأعلى لقدره وأحل مما اشتراه قال : { مما أفاء } أي رد { الله } الذي له الأمر كله { عليك } مثل صفية بنت حيي النضرية وريحانة القرظية{[55812]} وجويرية بنت الحارث الخزاعية رضي الله عنهن مما كان في أيدي الكفار ، أسنده إليه سبحانه إفهاماً لأنه فيء على وجهه الذي أحله الله لا خيانة فيه ، وعبر بالفيء{[55813]} الذي معناه الرجوع إفهاماً لأن ما في يد الكافر ليس له ، وإنما هو لمن{[55814]} يستلبه منه من المؤمنين بيد{[55815]} القهر أو لمن يعطيه الكافر منهم عن طيب نفس ، ومن هنا كان يعطي النبي صلى الله عليه وسلم ما يطلب منه من بلاد الكفار أو نسائهم ، وما أعطى أحداً شيئاً إلا وصل إليه كتميم الداري وشويل رضي الله عنهما ، وقيد بذلك تنبيهاً على فضله صلى الله عليه وسلم ووقوعه من كل شيء على أفضله كما تقدمت الإشارة إليه ، وإشارة إلى أنه سبق في علم الله أنه لا يصل إليه من ملك اليمين{[55816]} إلا ما كان هذا سبيله ، ودخل فيه ما أهدى له {[55817]}من الكفار{[55818]} مثل مارية القبطية أم ولده إبراهيم عليه السلام ، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى ما خصه به من تحليل ما كان خطره على من كان قبله من الغنائم { وبنات عمك } الشقيق وغيره من باب الأولى ، فإن النسب كلما بعد كان أجدر بالحل .

ولما كان قد أفرد العم لأن واحد الذكور يجمع من غيره لشرفه وقوته وكونه الأصل الذي تفرع منه هذا النوع ، عرف بجمع{[55819]} الإناث أن المراد به الجنس لئلا يتوهم أن{[55820]} المراد إباحة الأخوات مجتمعات فقال : { وبنات عماتك } من نساء بني عبد المطلب .

ولما بدأ بالعمومة لشرفها ، أتبعها{[55821]} قوله : { وبنات خالك } جارياً أيضاً في الإفراد والجمع على ذلك النحو { وبنات خالاتك } أي{[55822]} من نساء بني زهرة ويمكن أن يكون في ذلك احتباك عجيب وهو : بنات عمك وبنات أعمامك ، وبنات عماتك وبنات عمتك ، وبنات خالك وبنات أخوالك ، وبنات خالاتك وبنات خالتك ، وسره ما أشير إليه{[55823]} .

ولما بين شرف أزواجه من جهة النسب لما علم واشتهر أن نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة الرجال والنساء أشرف{[55824]} الأنساب بحيث لم يختلف في ذلك اثنان من العرب ، بين شرفهن من جهة الأعمال فقال : { اللاتي هاجرن } وأشار بقوله : { معك } إلى أن الهجرة قبل الفتح

{ أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا }[ الحديد : 10 ] ولم يرد بذلك التقييد بل التنبيه على الشرف ، وإشارة إلى أنه سبق في علمه سبحانه أنه لا يقع له أن يتزوج من هي خارجة عن هذه الأوصاف ، وقد ورد أن هذا على سبيل التقييد ؛ روى الترمذي{[55825]} والحاكم وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والطبراني والطبري{[55826]} وابن أبي حاتم كلهم من رواية السدي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها{[55827]} قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه{[55828]} فعذرني ثم أنزل الله تعالى { إنا أحللنا لك أزواجك } - الآية ، فلم أكن لأحل له لأني لم أهاجر . كنت من الطلقاء قال الترمذي : حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث السدي .

ولما بين ما هو الأشرف من النكاح لكونه{[55829]} الأصل ، و{[55830]} أتبعه سبحانه ما خص به شرعه صلى الله عليه وسلم من المغنم الذي تولى سبحانه إباحته ، أتبعه ما جاءت إباحته من جهة المبيح إعلاماً بأنه ليس من نوع الصدقة التي نزه عنها قدره فقال : { وامرأة } أي وأحللنا لك امرأة { مؤمنة } أي هذا الصنف حرة كانت أو رقيقة { إن وهبت نفسها للنبي } .

ولما ذكر وصف النبوة لأنه مدار الإكرام من الخالق والمحبة من الخلائق تشريفاً له به وتعليقاً للحكم بالوصف ، لأنه لو قال " لك " كان ربما وقع في بعض الأوهام - كما قال الزجاج - أنه غير خاص به صلى الله عليه وسلم ، كرره بياناً لمزيد شرفه في سياق رافع لما ربما يتوهم من أنه يجب عليه القبول{[55831]} فقال : { إن أراد النبي } أي الذي أعلينا قدره بما اختصصناه به من الإنباء بالأمور العظمية من عالم الغيب والشهادة { أن يستنكحها } أي يوجد نكاحه لها{[55832]} يجعلها من منكوحاته بعقد أو ملك يمين ، فتصير له{[55833]} مجرد ذلك بلا مهر{[55834]} ولا ولي ولا شهود .

ولما كان ربما فهم أن غيره يشاركه في هذا المعنى ، قال مبيناً لخصوصيته{[55835]} واصفاً لمصدر { أحللنا } مفخماً للأمر بهاء المبالغة ملتفتاً إلى الخطاب لأنه معين للمراد رافع للارتياب : { خالصة لك } وزاد المعنى بياناً بقوله : { من دون المؤمنين } أي{[55836]} من الأنبياء وغيرهم ، وأطلق الوصف المفهم للرسوخ فشمل من قيد بالإحسان والإيقان ، وغير ذلك من الألوان ، دخل من نزل عن رتبتهم من الذين يؤمنون والذين آمنوا وسائر الناس من باب الأولى مفهوم موافقة ، وقد كان الواهبات عدة ولم يكن{[55837]} عنده منهن شيء . روى البخاري{[55838]} عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول : أما تستحيي المرأة أن تهب نفسها ، فلما نزلت { ترجى من تشاء منهن } قلت : يا رسول الله ، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .

ولما كان التخصيص لا يصح ولا يتصور إلا من محيط العلم بأن هذا الأمر ما كان لغير المخصوص تام القدرة ، ليمنع غيره من ذلك ، علله بقوله : { قد } أي{[55839]} أخبرناك بأن هذا أمر يخصك دونهم لأنا{[55840]} قد { علمنا ما فرضنا } أي قدرنا بعظمتنا .

ولما كان ما قدره للإنسان عطاء ومنعا لا بد له منه ، عبر فيه بأداة الاستعلاء فقال : { عليهم } أي المؤمنين { في أزواجهم } أي من أنه لا تحل لهم امرأة بلفظ الهبة منها ولا بدون مهر ولا بدون ولي وشهود ، وهذا عام لجميع المؤمنين المتقدمين والمتأخرين . ولما كان هذا عاماً للحرة والرقيقة قال : { وما ملكت أيمانهم } أي من أن{[55841]} أحداً غيرك لا يملك رقيقة بهبتها لنفسها منه ، فيكون أحق من سيدها .

ولما فرغ من تعليل الدونية ، علل التخصيص لفاً ونشراً مشوشاً بقوله : { لكيلا يكون عليك حرج } أي ضيق في شيء من أمر النساء حيث أحللنا لك أنواع المنكوحات وزدناك الواهبة . ولما ذكر سبحانه ما فرض في الأزواج والإماء الشامل للعدل في عشرتهن ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلى الناس فهماً وأشدهم لله{[55842]} خشية ، وكان يعدل بينهن ، ويعتذر مع ذلك من ميل القلب الذي هو خارج عن طوق البشر بقوله " اللهم هذا قسمي{[55843]} فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " خفف عنه سبحانه بقوله : { وكان الله } أي المتصف بصفات الكمال من الحلم{[55844]} والأناة والقدرة وغيرها{[55845]} أزلاً وأبداً { غفوراً رحيماً * } أي بليغ الستر فهو إن شاء يترك المؤاخذة فيما له أن يؤاخذ به ، ويجعل مكان المؤاخذة الإكرام العظيم متصفاً بذلك أزلاً وأبداً .


[55798]:العبارة من هنا إلى "أمر التوسعة في" ساقطة من مد.
[55799]:العبارة من "وكان المراد" إلى هنا ساقطة من ظ.
[55800]:زيد من ظ.
[55801]:زيد من ظ وم.
[55802]:في ظ ومد: عدتها.
[55803]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: لا تقتضي.
[55804]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مبلغ.
[55805]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: كما.
[55806]:سقط من ظ.
[55807]:في الأصل بياض ملأناه من ظ وم ومد.
[55808]:في الأصل بياض ملأناه من ظ وم ومد.
[55809]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لأنه.
[55810]:سقط من ظ.
[55811]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: جور.
[55812]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: القريظية.
[55813]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالنفي.
[55814]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ممن ليس.
[55815]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يد.
[55816]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اليمن.
[55817]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55818]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55819]:من م ومد، وفي الأصل وظ: بجميع.
[55820]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لأن.
[55821]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اتبعه.
[55822]:سقط من ظ وم ومد.
[55823]:زيد من ظ ومد.
[55824]:تكرر في ظ.
[55825]:راجع جامعه 2/153.
[55826]:سقط من ظ.
[55827]:من م ومد، وفي الأصل وظ: عنهم.
[55828]:زيد من ظ ومد والجامع.
[55829]:من مد، وفي الأصل وظ وم: بكونه.
[55830]:زيد من ظ وم ومد.
[55831]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: العقول.
[55832]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بها.
[55833]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لك.
[55834]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مميز.
[55835]:في ظ وم ومد: للخصوصية.
[55836]:سقط من ظ.
[55837]:زيد من ظ وم ومد.
[55838]:راجع 2/706.
[55839]:سقط من ظ.
[55840]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لا.
[55841]:زيد من ظ وم ومد.
[55842]:زيد من ظ وم ومد.
[55843]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قسم.
[55844]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الحكم.
[55845]:من ظ ومد، وفي الأصل وم:غيرهما.