معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

قوله عز وجل :{ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } .

الآية نزلت في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد الله بن جحش وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب لمولاه زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى زيداً في الجاهلية بعكاظ فأعتقه وتبناه ، فلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه ، فلما علمت أنه يخطبها لزيد أبت وقالت : أنا ابنة عمتك يا رسول فلا أرضاه لنفسي ، وكانت بيضاء جميلة فيها حدة ، وكذلك كره أخوها ذلك ، فأنزل الله عز وجل : { وما كان لمؤمن } يعني : عبد الله بن جحش ، { ولا مؤمنة } يعني : أخته زينب ، { إذا قضى الله ورسوله أمراً } وهو نكاح زينب لزيد ، { أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } قرأ أهل الكوفة : أن يكون بالياء ، للحائل بين التأنيث والفعل ، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الخيرة من أمرهم ، والخيرة : الاختيار . والمعنى : أن يريد غير ما أراد الله أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به . { ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } أخطأ خطأ ظاهراً ، فلما سمعا ذلك رضيا بذلك وسلما ، وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها ، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً ، فدخل بها وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها عشرة دنانير ، وستين درهماً ، وخماراً ، ودرعاً ، وإزاراً وملحفة ، وخمسين مداً من طعام ، وثلاثين صاعاً من تمر .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

{ وما كان لمؤمن } الآية : معناها أنه ليس لمؤمن ولا مؤمنة اختيار مع الله ورسوله بل يجب عليهم التسليم والانقياد لأمر الله ورسوله . والضمير في قوله : { من أمرهم } : راجع إلى الجمع الذي يقتضيه قوله : { لمؤمن ولا مؤمنة } لأن معناه العموم في جميع المؤمنين والمؤمنات ، وهذه الآية توطئة للقصة المذكورة بعدها ، وقيل : سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب امرأة ليزوجها لمولاه زيد بن حارثة ، فكرهت هي وأهلها ذلك فلما نزلت الآية قالوا رضينا يا رسول الله ، واختلف هل هذه المخطوبة زينب بنت جحش أو غيرها ، وقد قيل : إنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

ولما كان الله سبحانه قد قدم{[55606]} قوله : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } - الآية ، فعلم{[55607]} قطعاً أنه تسبب عنها ما تقديره : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة لأن يكون له ولي غير النبي صلى الله عليه وسلم ، فطوى ذلك للعلم به ، واستدل على مضمون الآية وما قبلها بقصة الأحزاب ، وأتبعها نتيجة ذلك مما ذكرفي تأديب الأزواج له صلى الله عليه وسلم وتهذبيهن لأجله وتطهير أهل بيته وتكريمهم حتى ختم سبحانه بالصفات{[55608]} العشر التي بدأها بالإسلام الذي ليس معه شيء من الإباء{[55609]} ، وختمها بأن ذكر الله يكون ملء القلب والفم وهو داعٍ إلى مثل{[55610]} ذلك لأنه سبب الإسلام ، عطف على مسبب{[55611]} آية الولاية ما يقتضيه كثرة الذكر من قوله : { وما كان } .

ولما كان الإيمان قد يدعى {[55612]}كذباً لخفاء به{[55613]} ، قال : { لمؤمن } أي من عبد الله بن جحش وزيد وغيرهما { ولا مؤمنة } أي من زينب وغيرها ، فعلق الأمر بالإيمان إعلاماً بأن من اعترض غير مؤمن وإن أظهر الإيمان بلسانه { إذا قضى الله } أي الملك الأعظم الذي لا ينبغي لعاقل التوقف في أمره { ورسوله } الذي لا يعرف قضاؤه إلا به { أمراً } أي أيّ أمر كان .

ولما كان المراد كل مؤمن ، والعبارة صالحة له{[55614]} ، وكان النفي عن المجموع كله نفياً عما قل عنه من باب الأولى ، قال : { أن تكون } أي كوناً راسخاً على قراءة الجماعة بالفوقانية{[55615]} ، وفي غاية الرسوخ على{[55616]} قراءة الكوفيين{[55617]} بالتحتانية { لهم } أي خاصة { الخيرة } مصدر من تخير كالطيرة{[55618]} من تطير على غير قياس { من أمرهم } أي الخاص بهم باستخارة لله ولا بغيرها ليفعلوا خلاف ذلك القضاء ، فإن المراد بالاستخارة ظن ما اختاره الله ، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم قطعي الدلالة على ما{[55619]} اختاره الله تعالى ، وفي هذا عتاب لزينب رضي الله عنها على تعليق الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم عند ما خطبها لنفسه الشريفة على الاستخارة ، وعلى كراهتها عند ما خطبها لزيد مولاه ، ولكنها{[55620]} لما قدمت بعد نزول الآية خيرته صلى الله عليه وسلم في تزويجها من زيد رضي الله عنهما على خيرتها ، عوضها الله أن صيرها لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعه في الجنة في أعلى الدرجات ، فالخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى ، فمن فعل غير ذلك فقد عصى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن عصاه عصى الله لأنه لا ينطق إلا عنه { ومن يعص الله } أي الذي لا أمر لأحد معه { ورسوله } أي الذي{[55621]} معصيته معصيته لكونه بينه وبين الخلق في بيان ما أرسل به إليهم { فقد ضل } وأكده بالمصدر فقال : { ضلالاً } وزاده بقوله : { مبيناً } أي لا خفاء {[55622]}به ، فالواجب على كل أحد أن يكون معه صلى الله عليه وسلم في كل ما يختاره وإن كان فيه أعظم المشقات{[55623]} عليه تخلقاً بقول الشاعر {[55624]}حيث قال{[55625]} :

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي *** متأخر عنه ولا متقدم

وأهنتني فأهنت نفسي عامداً *** ما من يهون عليك ممن يكرم


[55606]:من ظ ومد، وفي الأصل: قوم.
[55607]:من ظ ومد، وفي الأصل: فعظم.
[55608]:في ظ: بالصافات ـ خطأ.
[55609]:من ظ ومد، وفي الأصل: الإياد.
[55610]:من ظ ومد، وفي الأصل: ميل.
[55611]:من ظ ومد، وفي الأصل: سبب.
[55612]:من ظ ومد، وفي الأصل: كذا بالخفاية.
[55613]:من ظ ومد، وفي الأصل: كذا بالخفاية.
[55614]:سقط من ظ.
[55615]:راجع نثر المرجان 5/411.
[55616]:من ظ ومد، وفي الأصل: في.
[55617]:من ظ ومد، وفي الأصل: الكوفيون.
[55618]:من ظ ومد، وفي الأصل: كالتطير.
[55619]:زيد من ظ ومد.
[55620]:من ظ ومد، وفي الأصل: لكنه.
[55621]:زيد من ظ ومد.
[55622]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55623]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55624]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55625]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.