معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَيُّ ٱلۡحِزۡبَيۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوٓاْ أَمَدٗا} (12)

قوله تعالى : { ثم بعثناهم } ، يعني من نومهم ، { لنعلم } أي : علم المشاهدة { أي الحزبين } أي الطائفتين { أحصى لما لبثوا أمداً } . وذلك أن القرية تنازعوا في مدة لبثهم في الكهف . واختلفوا في قوله { أحصى لما لبثوا } أحفظ لما مكثوا في كهفهم نياماً أمداً ، أي : غاية . وقال مجاهد : عدداً ، ونصبه على التفسير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَيُّ ٱلۡحِزۡبَيۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوٓاْ أَمَدٗا} (12)

{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } أي : من رقدتهم تلك ، وخرج أحدهم بدراهم معه{[17997]} ليشتري لهم بها طعامًا يأكلونه ، كما سيأتي بيانه وتفصيله ؛ ولهذا قال : { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ } أي : المختلفين فيهم { أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا } قيل : عددًا وقيل : غاية فإن الأمد الغاية كقوله{[17998]} :

سَبَقَ الجَوَاد إذَا اسْتَولى على الأمَد .


[17997]:في ف، أ: "معينة".
[17998]:هو النابغة الذبيانى، والبيت في تفسير الطبري (15/137).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَيُّ ٱلۡحِزۡبَيۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوٓاْ أَمَدٗا} (12)

البعث : هنا الإيقاظ ، أي أيقظناهم من نومتهم يقظة مفزوع . كما يُبعث البعير من مَبركه . وحسن هذه الاستعارة هنا أن المقصود من هذه القصة إثبات البعث بعد الموت فكان في ذكر لفظ البعث تنبيه على أن في هذه الإفاقة دليلاً على إمكان البعث وكيفيته .

والحزب : الجماعة الذين توافقوا على شيء واحد ، فالحزبان فريقان : أحدهما مصيب والآخر مخطىء في عد الأمد الذي مضى عليهم . فقيل : هما فريقان من أهل الكهف أنفسهم على أنه المشار إليه بقوله تعالى : { قال قائل منهم كم لبثتم } [ الكهف : 19 ] . وفي هذا بعد من لفظ حزب إذ كان القائل واحداً والآخرون شاكين ، وبعيد أيضاً من فعل { أحصى } لأن أهل الكهف ما قصدوا الإحصاء لمدة لبثهم عند إفاقتهم بل خالوها زمناً قليلاً . فالوجه : أن المراد بالحزبين حزبان من الناس أهل بلدهم اختلفت أقوالهم في مدة لبثهم بعد أن علموا انبعاثهم من نومتهم ، أحد الفريقين مصيب والآخر مخطىء ، والله يعلم المصيب منهم والمخطىء ، فهما فريقان في جانبي صواب وخطأ كما دل عليه قوله : { أحصى } .

ولا ينبغي تفسير الحزبين بأنهما حزبان من أهل الكهف الذين قال الله فيهم : { قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } الآية [ الكهف : 19 ] .

وجُعل حصول علم الله بحال الحزبين علةً لبعثِهِ إياهم كناية عن حصول الاختلاف في تقدير مدتهم فإنهم إذا اختلفوا علم الله اختلافهم عِلْمَ الواقعات ، وهو تعلق للعلم يصح أن يطلق عليه تنجيزي وإن لم يقع ذلك عند علماء الكلام .

وقد تقدم عند قوله تعالى : { لنبلوهم أيهم أحسن عملاً } في أول السورة الكهف ( 7 ) .

و{ أحصى } يحتمل أن يكون فعلاً ماضياً ، أن يكون اسم تفضيل مصوغاً من الرباعي على خلاف القياس . واختار الزمخشري في « الكشاف » تبعاً لأبي علي الفارسي الأول تجنباً لصوغ اسم التفضيل على غير قياس لقلته . واختارَ الزجاج الثاني . ومع كون صوغ اسم التفضيل من غير الثلاثي ليس قياساً فهو كثير في الكلام الفصيح وفي القرآن .

فالوجه ، أن { أحصى } اسم تفضيل ، والتفضيل منصرف إلى ما في معنى الإحصاء من الضبط والإصابة . والمعنى : لنعلم أي الحزبين أتقن إحصاءً ، أي عدا بأن يكون هو الموافق للواقع ونفس الأمر ويكون ما عداه تقريباً ورجماً بالغيب . وذلك هو ما فصله قوله تعالى : { سيقولون ثلاثة } [ الكهف : 22 ] الآية .

ف ( أي ) اسم استفهام مبتدأ وهو معلق لفعل لنعلم } عن العمل ، { وأحصى } خبر عن ( أي ) و { أمداً } تمييز لاسم التفصيل تمييزَ نسبة ، أي نسبة التفضيل إلى موصوفه كما في قوله : { أنا أكثر منك مالاً } [ الكهف : 34 ] . ولا يريبك أنه لا يتضح أن يكون هذا التمييز محولاً عن الفاعل لأنه لا يستقيم أن تقول : أفضل أمده ، إذ التحويل أمر تقديري يقصد منه التقريب .

والمعنى : ليظهرَ اضطراب الناس في ضبط تواريخ الحوادث واختلال خرصهم وتخمينهم إذا تصدوا لها ، ويعلم تفريط كثير من الناس في تحديد الحوادث وتاريخها ، وكلا الحالين يمت إلى الآخر بصلة .