قوله تعالى : { وهم ينهون عنه } أي : ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : { وينأون عنه } ، أي : يتباعدون عنه بأنفسهم ، نزلت في كفار مكة ، قال محمد بن الحنفية ، والسدي ، والضحاك ، وقال قتادة : ينهون عن القرآن ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتباعدون عنه ، وقال ابن عباس ومقاتل : نزلت في أبي طالب كان ينهى الناس عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ويمنعهم ، وينأى عن الإيمان به ، أي : يبعد ، حتى روي أنه اجتمع إليه رؤوس المشركين وقالوا : خذ شاباً من أصبحنا وجهاً ، وادفع إلينا محمداً ، فقال أبو طالب : ما أنصفتموني ، أدفع إليكم ولدي لتقتلوه وأربي ولدكم ؟ . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإيمان ، فقال : لولا أن تعيرني قريش لأقررت بها عينك ، ولكن أذب عنك ما حييت ، وقال فيه أبيات شعر :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم *** حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة *** وابشر بذاك وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وعرفت أنك ناصحي *** ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت ديناً قد علمت بأنه *** من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة *** لوجدتني سمحا بذاك مبينا
قوله تعالى : { وإن يهلكون } ، أي ما يهلكون .
قوله تعالى : { إلا أنفسهم } أي : لا يرجع وبال فعلهم إلا إليهم ، وأوزار الذين يصدونهم عليهم .
وقوله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } وفي معنى { يَنْهَوْنَ عَنْهُ } قولان : أحدهما : أن المراد أنهم ينهون الناس عن اتباع الحق ، وتصديق الرسول ، والانقياد للقرآن ، وينسأون عنه أي : [ ويبتعدون هم عنه ، فيجمعون بين الفعلين القبيحين لا ينتفعون ]{[10622]} ولا يتركون أحدًا ينتفع [ ويتباعدون ]{[10623]} قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } قال : ينهون الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به .
وقال محمد بن الحنفية : كان كفار قريش لا يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وينهون عنه .
وكذا قال مجاهد وقتادة ، والضحاك ، وغير واحد . وهذا القول أظهر ، والله أعلم ، وهو اختيار ابن جرير .
والقول الثاني : رواه سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عمن سمع ابن عباس يقول في قوله : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } قال : نزلت في أبي طالب كان ينهى [ الناس ]{[10624]} عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذى{[10625]}
وكذا قال القاسم بن مُخَيْمِرةَ ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعطاء بن دينار : إنها نزلت في أبي طالب . وقال سعيد بن أبي هلال : نزلت في عمومة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وكانوا عشرة ، فكانوا أشد الناس معه في العلانية وأشد الناس عليه في السر . رواه ابن أبي حاتم .
وقال محمد بن كعب القرظي : { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } أي : ينهون الناس عن قتله .
[ و ]{[10626]} قوله : { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } أي : يتباعدون منه{[10627]} { وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } أي : وما يهلكون بهذا الصنيع ، ولا يعود وباله إلا عليهم ، وما يشعرون .
عطف على جملة { ومنهم من يستمع إليك } ، والضميران المجروران عائدان إلى القرآن المشار إليه باسم الإشارة في قولهم : { إن هذا إلاّ أساطير الأولين } [ الأنعام : 25 ] . ومعنى النهي عنه النهي عن استماعه . فهو من تعليق الحكم بالذات . والمراد حالة من أحوالها يعيّنها المقام . وكذلك الناي عنه معناه النأي عن استماعه ، أي هم ينهون الناس عن استماعه ويتباعدون عن استماعه . قال النابغة :
لقد نَهَيتُ بني ذبيانَ عن أُقُر *** وعن تربّعهم في كلّ أصفار
يعني نهيتهم عن الرعي في ذي أقر ، وهو حمى الملك النعمان بن الحارث الغسّاني .
وبين قوله : { ينهون وينأون } الجناس القريب من التمام .
والقصر في قوله : { وإنْ يهْلِكُون إلاّ أنْفسهم } قصر إضافي يفيد قلب اعتقادهم لأنّهم يظنّون بالنهي والنأي عن القرآن أنّهم يضرّون النبي صلى الله عليه وسلم لئلاّ يتّبعوه ولا يتّبعه الناس ، وهم إنّما يُهلكون أنفسهم بدوامهم على الضلال وبتضليل الناس ، فيحملون أوزارهم وأوزار الناس ، وفي هذه الجملة تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام وأنّ ما أرادوا به نكايته إنّما يضرّون به أنفسهم .
وأصل الهلاك الموت . ويطلق على المضرّة الشديدة لأنّ الشائع بين الناس أنّ الموت أشدّ الضرّ . فالمراد بالهلاك هنا ما يلقونه في الدنيا من القتل والمذلّة عند نصر الإسلام وفي الآخرة من العذاب .
والنأي : البعد . وهو قاصر لا يتعدّى إلى مفعول إلاّ بحرف جرّ ، وما ورد متعدّياً بنفسه فذلك على طريق الحذف والإيصال في الضرورة .
وعقّب قوله : { وإن يهلكون إلاّ أنفسهم } بقوله : { وما يشعرون } زيادة في تحقيق الخطأ في اعتقادهم ، وإظهاراً لضعف عقولهم مع أنّهم كانوا يعدّون أنفسهم قادة للناس ، ولذلك فالوجه أن تكون الواو في قوله : { وما يشعرون } للعطف لا للحال ليفيد ذلك كون ما بعدها مقصوداً به الإخبار المستقلّ لأنّ الناس يعُدّونهم أعظم عقلائهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.