معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا} (3)

قوله عز وجل { واتخذوا } يعني : عبدة الأوثان ، { من دونه آلهة } يعني : الأصنام ، { لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً } أي : دفع ضر ولا جلب نفع ، { ولا يملكون موتاً ولا حياةً } أي : إماتةً وإحياءً ، { ولا نشوراً } أي : بعثاً بعد الموت .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا} (3)

يخبر تعالى عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ، الخالق لكل شيء ، المالك لأزمَّة الأمور ، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . ومع هذا عَبَدُوا معه من الأصنام ما لا يقدر على خلق جناح بعوضة ، بل هم مخلوقون ، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ، فكيف يملكون لعابديهم ؟ { وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا } أي : ليس لهم من ذلك شيء ، بل ذلك مرجعه كله إلى الله عز وجل ، الذي هو يحيي ويميت ، وهو الذي يعيد الخلائق يوم القيامة أولهم وآخرهم ، { مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] ، { وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } [ القمر : 50 ] ، { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ } [ النازعات : 13 ، 14 ] ، { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ } [ الصافات : 19 ] ، { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 53 ] . فهو الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه ، ولا تنبغي العبادة إلا له ؛ لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . وهو الذي لا ولد له ولا والد ، ولا عديل ولا نديد ولا وزير ولا نظير ، بل هو الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا} (3)

ثم عقب تعالى ذكر هذه الصفات التي هي للألوهية بالطعن على قريش في اتخاذهم آلهة ليست لهم هذه الصفات ، فالعقل يعطي أنهم ليسوا بآلهة وقوله ، { وهم يخلقون } ، يحتمل أن يريد يخلقهم الله بالاختراع والإيجاد ، ويحتمل أن يريد يخلقهم البشر بالنحت والنجارة وهذا التأويل أشد إبداء لخساسة الأصنام ، وخلق البشر تجوز ولكن العرب تستعمله{[8778]} ومنه قول زهير :

ولأنت تفري ما خلقت وبع . . . ض القوم يخلق ثم لا يفري{[8779]}

وهذا من قولهم خلقت الجلد إذا عملت فيه رسوماً يقطع عليها والفري هو أن يقطع على ترك الرسوم ، وقوله ، { موتاً ولا حياة } يريد إماتة ولا إحياء ، و «النشور » بعث الناس من القبور .


[8778]:هكذا في الأصول، ونعتقد أن الصواب: "وخلق البشر لا يجوز، ولكن العرب تستعمله" حتى لا يكون تناقض في الكلام، ومع ذلك ففي اللسان أن الخلق في كلام العرب: ابتداع الشيء على مثال لم يسبق إليه، وفيه أيضا: الخلق بمعنى التقدير، يقال: خلق الأديم يخلقه خلقا: قدره قبل القطع وقاسه ليقطع منه مزادة أو قربة أو خفا- فقد ينسب الخلق إلى البشر بهذا المعنى، وعليه جاء قول زهير.
[8779]:خلق هنا بمعنى: قدر الأمر، من قولهم: خلق الأديم يخلقه بمعنى: قدره وقاسه قبل القطع ليقطع منه ما يريد من مصنوعات كالقربة أو الخف أو المزادة، وأما الفري فهو التقطيع نفسه، يقال: فريت الشيء أفريه فريا: شققته وقطعته- على جهة الإصلاح- وأفريته: قطعته على جهة الإفساد، والمراد هنا الإصلاح، ومعنى البيت: أنت تنفذ ما تعزم عليه وتقدره. قال في (اللسان- فرا): وهو مثل.