السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا} (3)

واختلف في عود الضمير في قوله تعالى : { واتخذوا من دونه } أي : الله تعالى أي : غيره { آلهة } على ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه يعود على الكفار الذين تضمنهم لفظ العالمين .

ثانيها : أنه يعود على من ادعى لله شريكاً وولداً لدلالة قوله تعالى : { ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك } .

ثالثها : أنه يعود على المنذرين لدلالة نذيراً عليهم ، ولما وصف نفسه سبحانه وتعالى بصفات الجلال والعزة والعلو أردفه بتزييف مذهب من يعبد غيره من وجوه منها : أنها ليست خالقة للأشياء بقوله تعالى : { لا يخلقون شيئاً } والإله يجب أن يكون قادراً على الخلق والإيجاد ، ومنها : أنها مخلوقة بقوله تعالى : { وهم يخلقون } والمخلوق محتاج والإله يجب أن يكون غنياً ، وغلب العقلاء على غيرهم ؛ لأن الكفار كانوا يعبدون العقلاء كعزير والمسيح والملائكة ، وغيرهم كالكواكب والأصنام التي ينحتونها ويصورونها ، ومنها : أنها لا تملك لأنفسها ضراً ولا نفعاً بقوله تعالى : { ولا يملكون } أي : لا يستطيعون { لأنفسهم ضراً } أي : دفعه { ولا نفعاً } أي : جلبه ومن كان كذلك ، فليس بإله ، ومنها : أنها لا تقدر على موت ولا حياة ولا نشور بقوله تعالى : { ولا يملكون موتاً ولا حياة } أي : إماتة لأحد وإحياء لأحد { ولا نشوراً } أي : بعثاً للأموات ، فيجب أن يكون المعبود قادراً على إيصال الثواب إلى المطيعين ، والعقاب إلى العصاة ، فمن لا يكون كذلك يجب أن لا يصلح للإلهية .

تنبيه : احتج أهل السنة بقوله تعالى : { لا يخلقون شيئاً } على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ؛ لأنه تعالى عاب هؤلاء الكفار من حيث عبدوا ما لا يخلق شيئاً ، وذلك يدل على أن من خلق يستحق أن يعبد ، فلو كان العبد خالقاً لكان معبوداً إلهاً ، ولما تكلم تعالى أولاً على التوحيد ، وثانياً في الرد على عبدة غيره تكلم ، ثالثاً في مسألة النبوة ، وحكى شبه الكفار في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .