التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا} (3)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن المشركين لم يفطنوا إلى ما اشتمل عليه هذا الكون من تنظيم دقيق ، ومن صنع حكيم يدل على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، بل إنهم - لانطماس بصائرهم - عبدوا مخلوقا مثلهم فقال - تعالى - : { واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ . . } .

والضمير فى قوله { واتخذوا . . } يعود على المشركين المفهوم من قوله { وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ } أو من المقام .

أى : واتخذ هؤلاء المشركون معبودات باطلة يعبدونها من دون الله - عز وجل - ، وهذه المعبودات لا تقدر على خلق شىء من الأشياء ، بل هى من مخلوقات الله - تعالى - .

وعبر هن هذه الآية بمضير العقلاء فى قوله { لاَّ يَخْلُقُونَ } جريا على اعتقاد الكفار أنها تضر وتنفع ، أو لأن من بين من اتخذوهم آلهة بعض العقلاء كالمسيح والعزير والملائكة . . . .

وأيضا هؤلاء الذين اتخذهم المشركون آلهة : { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ } فضلا عن غيرهم { ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } فهم لا يملكون دفع الضر عن أنفسهم ، ولا جلب النفع لذواتهم { وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً } أى : ولا يقدرون على إماتة الأحياء . ولا على إحياء الموتى فى الدنيا ، ولا على بعثهم ونشرهم فى الآخرة .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف تلك الآلهة المزعومة بسبع صفات ، كل صفة منها كفيلة بسلب صفة الألوهية عنها ، فكيف وقد اجتمعت هذه الصفات السبع فيها ؟ ! !

إن كل من يشرك مع الله - تعالى - أحدا فى العبادة . لو تدبر هذه الآية وأمثالها من آيات القرآن الكريم لأيقن واعتقد أن المستحق للعبادة والطاعة إنما هو الله رب العالمين .