البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا} (3)

{ واتخذوا من دونه آلهة } الضمير في { واتخذوا } عائد على ما يفهم من سياق الكلام لأن في قوله { ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك } دلالة على ذلك لم ينف إلاّ وقد قيل به .

وقال الكرماني : الواو ضمير للكفار وهم مندرجون في قوله { للعالمين } .

وقيل : لفظ { نذيراً } ينبىء عنهم لأنهم المنذرون ويندرج في { واتخذوا } كل من ادعى إلهاً غير الله ، ولا يختص ذلك بعباد الأوثان وعباد الكواكب .

وقال القاضي : يبعد أن يدخل فيه النصارى لأنهم لم يتخذوا من دون الله آلهة على الجمع .

والأقرب أن المراد به عبَدة الأصنام ، ويجوز أن يدخل فيه من عبد الملائكة لأن لعبادها كثرة انتهى .

ولا يلزم ما قال لأن { واتخذوا } جمع و { آلهة } جمع ، وإذا قوبل الجمع بالجمع تقابل الفرد بالفرد ، ولا يلزم أن يقابل الجمع بالجمع فيندرج معبود النصارى في لفظ { آلهة } .

ثم وصف الآلهة بانتفاء إنشائهم شيئاً من الأشياء إشارة إلى انتفاء القدرة بالكلية ، ثم بأنهم مخلوقون لله ذاتاً أو مصنوعون بالنحت والتصوير على شكل مخصوص ، وهذا أبلغ في الخساسة ونسبة الخلق للبشر تجوز .

ومنه قول زهير :

ولأنت تفري ما خلقت وبعض *** القوم يخلق ثم لا يفري

وقال الزمخشري : الخلق بمعنى الافتعال كما في قوله { وتخلقون إفكاً } والمعنى أنهم آثروا على عبادته عبادة آلهة لا عجز أبَيْنَ من عجزهم ، لا يقدرون على شيء من أفعال الله ولا أفعال العباد حيث لا يفتعلون شيئاً وهم يفتعلون لأن عبدتهم يصنعونهم بالنحت والتصوير { ولا يملكون لأنفسهم } دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها ، وهم يستطيعون وإذا عجزوا عن الافتعال ودفع الضرر وجلب النفع الذي يقدر عليه العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور التي لا يقدر عليها إلاّ الله أعجز .