قوله تعالى :{ ثم ليقضوا تفثهم } التفث : الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار . والشعث : تقول العرب لمن تستقذره : ما أتفثك : أي : ما أوسخك . والحاج أشعث أغبر ، أي : لم يحلق شعره ولم يقلم ظفره ، فقضاء التفث : إزالة هذه الأشياء ليقضوا تفثهم ، أي : ليزيلوا أدرانهم ، والمراد منه : الخروج عن الإحرام بالحلق ، وقص الشارب ، ونتف الإبط ، والاستحداد ، وقلم الأظفار ، ولبس الثياب . قال ابن عمر وابن عباس : قضاء التفث : مناسك الحج كلها . وقال مجاهد : هو مناسك الحج ، وأخذ الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وقلم الأظفار . وقيل : التفث هاهنا رمي الجمار . قال الزجاج : لا نعرف التفث ومعناه : إلا من القرآن . قوله تعالى : { وليوفوا نذورهم } قال مجاهد : أراد نذر الحج والهدي وما ينذر الإنسان من شيء يكون في الحج أي : ليتموها بقضائها . وقيل : المراد منه الوفاء بما نذر على ظاهره . وقيل : أراد به الخروج . عما وجب عليه نذر أو لم ينذر . والعرب تقول لكل من خرج عن الواجب عليه وفى بنذره . وقرأ عاصم برواية أبي بكر ( وليوفوا ) بنصب الواو وتشديد الفاء . { وليطوفوا بالبيت العتيق } أراد به الطواف الواجب عليه وهو طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق . والطواف ثلاثة : طواف القدوم ، وهو أن من قدم مكة يطوف بالبيت سبعاً يرمل ثلاثاً من الحجر الأسود إلى أن ينتهي إليه ويمشي أربعاً ، وهذا الطواف سنة لا شيء على من تركه . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا أحمد هو أبو عيسى ، أنبأنا ابن وهب ، أنبأنا عمرو بن الحارث ، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي . سأل عروة بن الزبير فقال : " قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم يكن عمرة ، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن عمرة ، ثم عمر مثل ذلك ، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ الطواف بالبيت " .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنبأنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنبأنا أبو العباس الأصم ، أنبأنا الربيع ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا أنس بن عياض ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم يسعى ثلاثة أطواف ويمشي أربعاً ، ثم يصلي سجدتين ، ثم يطوف بين الصفا والمروة سبعاً " . والطواف الثاني : هو طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق ، وهو واجب لا يحصل التحلل من الإحرام ما لم يأت به .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، أنبأنا الأعمش ، أنبأنا إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : " حاضت صفية ليلة النفر فقالت : ما أراني إلا حابستكم قال النبي صلى الله عليه وسلم : عقري حلقى أطافت يوم النحر . قيل : نعم ، قال : فانفري " فثبت بهذا أن من لم يطف يوم النحر طواف الإفاضة لا يجوز له أن ينفر . والطواف الثالث : هو طواف الوداع لا رخصة فيه لمن أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر أن يفارقها حتى يطوف بالبيت سبعاً ، فمن تركه فعليه دم إلا المرأة الحائض يجوز لها ترك طواف الوداع .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنبأنا عبد العزيز أحمد الخلال ، أنبأنا أبو العباس الأصم ، أنبأنا الربيع ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا سفيان ، عن سليمان الأحول ، عن طاووس عن ابن عباس ، قال : " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت إلا أنه رخص للمرأة الحائض " والرمل : مختص بطواف القدوم ، ولا رمل في طواف الإفاضة والوداع . قوله : ( بالبيت العتيق ) اختلفوا في معنى العتيق ، فقال ابن عباس ، وابن الزبير و مجاهد و قتادة : سمى عتيقاً لأن الله أعتقه من أيدي الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه ، فلم يظهر عليه جبار قط . وقال سفيان بن عيينة : سمي عتيقاً لأنه لم يملك قط ، وقال الحسن وابن زيد : سمي به لأنه قديم وهو أول بيت وضع للناس ، يقال : دينار عتيق أي قديم ، وقيل : سمي عتيقاً لأن الله أعتقه من الغرق ، فإنه رفع أيام الطوفان .
وقوله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو وضع [ الإحرام ]{[20161]} من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الأظفار ، ونحو ذلك . وهكذا روى عطاء ومجاهد ، عنه . وكذا قال عكرمة ، ومحمد بن كعب القُرَظي .
وقال عكرمة ، عن ابن عباس : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } قال : التفث : المناسك .
وقوله : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني : نحر ما نذر من أمر البُدن .
وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } :{[20162]} نذر الحج والهدي وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج .
وقال إبراهيم بن مَيْسَرَة ، عن مجاهد : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } قال : الذبائح .
وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } كل نذر إلى أجل .
وقال عكرمة : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } ، قال : [ حجهم .
وكذا روى الإمام ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان في قوله : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } قال : ] {[20163]} نذر الحج ، فكل من دخل الحج فعليه من العمل فيه : الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وعرفة ، والمزدلفة ، ورمي الجمار ، على ما أمروا به . وروي عن مالك نحو هذا .
وقوله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } : قال مجاهد : يعني : الطواف الواجب يوم النحر .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن أبي حمزة قال : قال لي ابن عباس : أتقرأ سورة الحج ؟ يقول{[20164]} الله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } ، فإن آخر المناسك الطواف بالبيت .
قلت : وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما رجع إلى منى يوم النحر بدأ يرمي الجمرة ، فرماها بسبع حصيات ، ثم نحر هديه ، وحلق رأسه ، ثم أفاض فطاف بالبيت . وفي الصحيح عن ابن عباس أنه قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض{[20165]} .
وقوله : { بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } : فيه مستدل لمن ذهب إلى أنه يجب الطواف من وراء الحجر ؛ لأنه من أصل{[20166]} البيت الذي بناه إبراهيم ، وإن كانت قريش قد أخرجوه من البيت ، حين قصرت بهم النفقة ؛ ولهذا طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحِجْر ، وأخبر أن الحجر من البيت ، ولم يستلم الركنين الشاميين ؛ لأنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم العتيقة ؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر العَدَني ، حدثنا سفيان ، عن هشام بن حُجْر ، عن رجل ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } ، طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه{[20167]} .
وقال قتادة ، عن الحسن البصري في قوله : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ قال ]{[20168]} : لأنه أول بيت وضع للناس . وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وعن عكرمة أنه قال : إنما سمي البيت العتيق ؛ لأنه أعتق يوم الغرق زمان نوح .
وقال خَصِيف : إنما سمي البيت العتيق ؛ لأنه لم يظهر عليه جبار قط .
وقال ابن أبي نَجِيح وليث عن مجاهد : أعتق من الجبابرة أن يسلطوا عليه . وكذا قال قتادة .
وقال حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن بن مسلم ، عن مجاهد : لأنه لم يُرِده أحد بسوء إلا هلك .
وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن الزهري ، عن ابن الزبير قال : إنما سمي البيت العتيق ؛ لأن الله أعتقه من الجبابرة{[20169]} .
وقال الترمذي : حدثنا محمد بن إسماعيل وغير واحد ، حدثنا عبد الله بن صالح ، أخبرني الليث ، عن عد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن عروة ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما سمي البيت العتيق ؛ لأنه لم يظهر عليه جبار " .
وكذا رواه ابن جرير ، عن محمد بن سهل النجاري{[20170]} ، عن عبد الله بن صالح ، به{[20171]} . وقال : إن كان صحيحًا وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، ثم رواه من وجه آخر عن الزهري ، مرسلا{[20172]} .
وقوله : ثُمّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُم ْيقول : تعالى ذكره : ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم : من حلق شعر ، وأخذ شارب ، ورمي جمرة ، وطواف بالبيت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثني يزيد ، قال : أخبرنا الأشعث بن سوار ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه قال : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال : ما هم عليه في الحجّ .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد ، قال : ثني الأشعث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : التفَث : المناسك كلها .
قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أنه قال ، في قوله : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال : التفَث : حلق الرأس ، وأخذ من الشاربين ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وقصّ الأظفار ، والأخذ من العارضين ، ورمي الجمار ، والموقف بعرفة والمزدلفة .
حدثنا حميد ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا خالد ، عن عكرِمة ، قال : التفَث : الشعر والظّفر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرِمة ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ، أنه كان يقول في هذه الاَية : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ : رمي الجِمار ، وذبح الذبيحة ، وأخذ من الشاربين واللحية والأظفار ، والطواف بالبيت وبالصفا والمروة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد أنه قال في هذه الاَية : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال : هو حلق الرأس . وذكر أشياء من الحجّ قال شعبة : لا أحفظها .
قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال : حلق الرأس ، وحلق العانة ، وقصّ الأظفار ، وقصّ الشارب ، ورمي الجمار ، وقصّ اللحية .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله . إلا أنه لم يقل في حديثه : وقصّ اللحية .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا المحاربي ، قال : سمعت رجلاً يسأل ابن جُرَيج ، عن قوله : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال : الأخذ من اللحية ، ومن الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، ورمي الجمار .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا منصور ، عن الحسن ، وأخبرنا جويبر ، عن الضحاك أنهما قالا : حلق الرأس .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ يعني : حلق الرأس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : التفث : حلق الرأس ، وتقليم الظفر .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ يقول : نسكهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال : التفث : حرمهم .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ قال : يعني بالتفث : وضع إحرامهم من حلق الرأس ، ولبس الثياب ، وقصّ الأظفار ونحو ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، قال : التفث : حلق الشعر ، وقصّ الأظفار والأخذ من الشارب ، وحلق العانة ، وأمر الحجّ كله .
وقوله : وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ يقول : وليوفوا الله بما نذروا من هَدْي وبدنة وغير ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ نحر ما نذروا من البدن .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ نذر الحجّ والهَدي ، وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحجّ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ قال : نذر الحجّ والهدي ، وما نذر الإنسان على نفسه من شيء يكون في الحجّ .
وقوله : وَلْيَطّوّفُوا بالبَيْتِ العَتيقِ يقول : وليطوّفوا ببيت الله الحرام .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : العَتِيق في هذا الموضع ، فقال بعضهم : قيل ذلك لبيت الله الحرام ، لأن الله أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه وهدمه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، أن ابن الزبير ، قال : إنما سمي البيت العتيق ، لأن الله أعتقه من الجبابرة .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن الزبير ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إنما سمي العتيق ، لأنه أعتق من الجبابرة .
قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قَتادة : وَلْيَطّوفوا بالْبَيْتِ العَتِيقِ قال : أُعْتِق من الجبابرة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : البَيْتِ العَتِيقِ قال : أعتقه الله من الجبابرة ، يعني الكعبة .
وقال آخرون : قيل له عتيق لأنه لم يملكه أحد من الناس . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبيد ، عن مجاهد ، قال : إنما سمي البيت العتيق لأنه ليس لأحد فيه شيء .
وقال آخرون : سمي بذلك لقِدمه . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : البَيْتِ العَتِيقِ قال : العتيق : القديم ، لأنه قديم ، كما يقال : السيف العتيق ، لأنه أوّل بيت وُضع للناس بناه آدم ، وهو أوّل من بناه ، ثم بوّأ الله موضعه لإبراهيم بعد الغرق ، فبناه إبراهيم وإسماعيل .
قال أبو جعفر : ولك هذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه في قوله : البَيْتِ العَتِيقِ وجه صحيح ، غير أن الذي قاله ابن زيد أغلب معانيه عليه في الظاهر . غير أن الذي رُوي عن ابن الزبير أولى بالصحة ، إن كان ما :
حدثني به محمد بن سهل البخاري ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : أخبرني الليث ، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن الزهريّ ، عن محمد بن عروة ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّمَا سُمّيَ البَيْتُ العَتِيقُ لأنّ اللّهَ أعْتَقَهُ مِنَ الجَبابِرَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ قَطّ صَحِيحا » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال الزهريّ : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّمَا سُمّيَ البَيْتُ العَتِيقُ لأَنّ اللّهَ أعْتَقَهُ » ثم ذكر مثله .
وعني بالطواف الذي أمر جلّ ثناؤه حاجّ بيته العتيق به في هذه الاَية طواف الإفاضة الذي يُطاف به بعد التعريف ، إما يوم النحر وإما بعده ، لا خلاف بين أهل التأويل في ذلك . ذكر الرواية عن بعض من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن سعيد القرشي ، قال : حدثنا الأنصاري ، عن أشعث ، عن الحسن : وَلْيَطّوّفُوا بالبَيْتِ العَتيِقِ قال : طواف الزيارة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا خالد ، قال : حدثنا الأشعث ، أن الحسن قال في قوله : وَلْيَطّوّفُوا بالبَيْتِ العَتيِقِ قال : الطواف الواجب .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلْيَطّوّفُوا بالبَيْتِ العَتيِقِ يعني : زيارة البيت .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن حجاج وعبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : وَلْيَطّوّفُوا بالبَيْتِ العَتيِقِ قال : طواف يوم النحر .
حدثني أبو عبد الرحمن البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سألت زُهَيرا عن قول الله : وَلْيَطّوّفُوا بالبَيْتِ العَتيِقِ قال : طواف الْوَداع .
واختلف القرّاء في قراءة هذه الحروف ، فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة «ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطّوّفُوا » بتسكين اللام في كل ذلك طلب التخفيف ، كما فعلوا في «هو » إذا كانت قبله واو ، فقالوا وَهْوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصّدُورِ فسكّنوا الهاء ، وكذلك يفعلون في لام الأمر إذا كان قبلها حرف من حروف النسق كالواو والفاء وثم . وكذلك قرأت عامة قرّاء أهل البصرة ، غير أن أبا عمرو بن العلاء كان يكسر اللام من قوله : «ثُمّ لِيَقْضُوا » خاصة من أجل أن الوقوف على «ثم » دون «ليقضوا » حسن ، وغير جائز الوقوف على الواو والفاء . وهذا الذي اعتلّ به أبو عمرو لقراءته علة حسنة من جهة القياس ، غير أن أكثر القرّاء على تسكينها .
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي ، أن التسكين في لام «ليقضوا » والكسر قراءتان مشهورتان ولغتان سائرتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب . غير أن الكسر فيها خاصة أقيس ، لما ذكرنا لأبي عمرو من العلة ، لأن من قرأ : وَهُوْ عَلِيمٌ بذَاتِ الصّدُورِ فهو بتسكين الهاء مع الواو والفاء ، ويحركها في قوله : ثُمّ هُوَ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ فذلك الواجب عليه أن يفعل في قوله : «ثُمّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ » فيحرّك اللام إلى الكسر ثم «ثم » وإن سكّنها في قوله : وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ . وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ والحسن البصري تحريكها مع «ثم » والواو ، وهي لغة مشهورة ، غير أن أكثر القرّاء مع الواو والفاء على تسكينها ، وهي أشهر اللغتين في العرب وأفصحها ، فالقراءة بها أعجب إليّ من كسرها .
{ ثم ليقضوا تفثهم } ثم ليزيلوا وسخهم بقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد عند الإحلال . { وليوفوا نذورهم } ما ينذرون من البر في حجهم ، وقيل مواجب الحج . وقرأ أبو بكر بفتح الواو وتشديد الفاء . { وليطوفوا } طواف الركن الذين به تمام التحلل فإنه قرينة قضاء التفث ، وقيل طواف الوداع . وقرأ ابن عامر وحده بكسر اللام فيهما . { بالبيت العتيق } القديم لأنه أول بيت وضع للناس ، أو المعتق من تسلط الجبابرة فكم من جبار رسا إليه ليهدمه فمنعه الله تعالى ، وأما الحجاج فإنما قصد إخراج ابن الزبير منه دون التسلط عليه .