فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

{ ثُمَّ } أي بعد حلهم خروجهم من الإحرام وبعد الإتيان بما عليهم من النسك { لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } المراد بالقضاء هنا هو التأدية أي ليؤدوا إزالة وسخهم لأن التفث هو الوسخ والدرن ، والشعث والقذارة من طول الشعر والأظفار ، وقد أجمع المفسرون كما حكاه النيسابوري على هذا .

قال الزجاج : إن أهل اللغة لا يعرفون التفث ، وقال أبو عبيدة : لم يأت في الشعر ما يحتج به في معنى التف ، وقال المبرد : أصل التفث في اللغة كل قاذورة تلحق الإنسان ، وقيل قضاؤه إدهانه لأن الحاج مغبر شعث لم يدهن ، ولم يستحد فإذا قضى نسكه وخرج من إحرامه حلق شعره ولبس ثيابه فهذا هو قضاء التفث قال الزجاج : كأنه خروج من الإحرام إلى الإحلال .

وعن ابن عمر قال : التفث المناسك كلها ، وعن ابن عباس نحوه ، وعنه قال : التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، وقص الأظفار ، وقص الشوارب والذبح .

{ وَلْيُوفُوا } بالتخفيف والتشديد { نُذُورَهُمْ } أي ما ينذرون به من البر في حجهم ، والأمر للوجوب ، وقيل المراد بالنذر هنا أعمال الحج ، أو الهدايا والضحايا { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } هذا الطواف هو طواف الإفاضة الواجب ووقته يوم النحر بعد الرمي والحلق .

قال ابن جرير : لا خلاف في ذلك بين المتأولين والعتيق القديم كما يفيده قوله سبحانه : { إن أول بيت وضع للناس } الآية ، وقد سمي العتيق لأن الله أعتقه منان يتسلط عليه جبار ، فكم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله منه ، وقيل لأن الله يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب .

وقيل لأنه أعتق من غرق الطوفان فإنه رفع في أيامه ، وقيل لأنه لم يملك قط وقيل العتيق الكريم ، وقد ورد في وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة ، وهو مطاف أل الغبراء ، كما أن العرش مطاف أهل السماء ، فإن الطالب إذا هاجته معية الطرب ، وجذبته جواذب الطلب ، وجعل يقطع مناب الأرض مراحل ، ويتخذ مسالك المهالك منازل فإذا عاين البيت لم يزده التسلي به إلا اشتياقا ، ولم يفده باستلام الحجر إلا احتراقا فيرده الأسف لهفان ويردده اللهف حوله في الدوران .

وورد في فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها .