بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

قوله عز وجل : { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } ، يعني : مناسكهم ؛ وقال مجاهد : التفث حلق الرأس وتقليم الأظفار . وروي عن عطاء ، عن ابن عباس وقال : التفث : الرمي ، والحلق ، والتقصير ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، وقص الأضافير ، والشارب ، والذبح . وروى نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال : التفث : ما عليه من المناسك ؛ وقال الزجاج : التفث ، لا يعرف أهل اللغة ما هو ؛ وإنما عرفوا في التفسير ، وهو الأخذ من الشارب ، وتقليم الأظافر ، والأخذ من الشعر ، كأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال .

ثم قال : { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } ، يقول : من كان عليه نذر في الحج والعمرة مما أوجب على نفسه من هدي أو غيره ؛ فإذا نحر يوم النحر ، فقد أوفى بنذره . ثم قال : { وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } ، يعني : طواف الزيارة ، بعدما حلق رأسه أو قصر ؛ وقال مقاتل : { العتيق } يعني : عتقه في الجاهلية من القتل والسبي والجراحات ، وغيرها ؛ وقال الحسن : { العتيق } يعني : القديم ، كما قال : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى للعالمين } [ آل عمران : 96 ] ؛ وقال مجاهد : عتيق ، يعني : أعتق من الجبابرة ، ويقال : أعتق من الغرق يوم الطوفان ؛ وهذا قول الكلبي ؛ وقرأ حمزة والكسائي وعاصم : { لْيَقْضُواْ } بجزم اللام وكذلك { وَلْيُوفُواْ } ؛ وقرأ أبو عمرو الثلاثة كلها بالكسر ، بمعنى لام كي ؛ وقرأ ابن كثير بكسر اللام الأولى خاصة . فمن قرأ بالجزم ، جعلها أمر الغائب ؛ ومن قرأ بالكسر ، جعله خبراً عطفاً على قوله : { لّيَذْكُرُواْ } . وقرأ عاصم في رواية أبي بكر { وَلْيُوفُواْ } بنصب الواو وتشديد الفاء ، وقرأ الباقون بالتخفيف من أوفى يوفي ، والأول من وفَّى يوفّي ؛ ومعناهما واحد .