الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

{ ثُمَّ لْيَقْضُواْ } واختلف القرّاء في هذه اللامات فكسرها بعضهم فرقاً بين ثم والواو والفاء لأن ثمّ مفضول من الكلام ، والواو والفاء كأنهما من نفس الكلمة ، وجزمها الآخرون لأنّها كلّها لامات الأمر { تَفَثَهُمْ } والتفث : مناسك الحج كلّها عن ابن عمر وابن عباس .

وقال القرظي ومجاهد : هو مناسك الحج واخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقصّ الأظفار .

عكرمة : التفث : الشعر والظفر .

الوالبي عن ابن عباس : هو وضع الإحرام من حلق الرأس وقصّ الأظفار ولبس الثياب ونحوها . وأصل التفث في اللغة الوسخ ، تقول العرب للرجل تستقذره : ما أتفثك أي ما أوسخك ! وأقذرك ! قال أمية بن الصلت :

ساخين آباطهم لم يقذفوا تفثاً *** وينزعوا عنهم قملاً وصئبانا

{ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } قال مجاهد : نذر الحج والهدي وما ينذر الانسان من شيء يكون في الحج .

{ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } أراد الطواف الواجب وهو طواف الإفاضة والزيارة الذي يطاف بعد التعريف أمّا يوم النحر وأمّا بعده . واختلف العلماء في معنى العتيق ، فقال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وقتادة : سمّي عتيقاً لأنّ الله سبحانه أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه ، فلم يظهر عليه جبار قطّ ، ولم يسلّط عليه إلاّ من يعظّمه ويحترمه .

قال سعيد بن جبير : أقبل تبّع يريد هدم البيت حتى إذا كان بقديد أصابه الفالج فدعا الأحبار فقالوا : إنّ لهذا البيت ربّاً ما قصده قاصد بسوء إلاّ حجبه عنه بمكروه فإن كنت تريد النجاة ممّا عرض لك فلا تتعرّض له بسوء .

قال : فأهدى إلى البيت كسوة وأنطاعاً فأُلبست ، وكان أوّل ما أُلبست ، ونحر عنده ألف ناقة وعفا عن أهله وبرّهم ووصلهم ، فسمّيت المطابخ لمطبخة القوم ، وكانت خيله جياداً فسميّت جياد لخيل تبّع ، وسميّت قعيقعان لقعقعة السلاح حين أقبل من المدينة .

وقال سفيان بن عيينة : سمّي بذلك لأنه لم يُملك قط ، وهي رواية عبيد عن مجاهد قال : إنما سمّي البيت العتيق لأنّه ليس لأحد فيه شيء .

ابن زيد : لأنه قديم وهو أول بيت وضع للناس ، يقال : سيف عتيق ودينار عتيق أي قديم ، وقيل : لأنه كريم على الله سبحانه ، يقول العرب : فرس عتيق .