مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

أما قوله : { ثم ليقضوا تفثهم } قال الزجاج : إن أهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير ، وقال المبرد أصل التفث في كلام العرب كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها . والمراد ههنا قص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة . والمراد من القضاء إزالة التفث ، وقال القفال قال نفطويه : سألت أعرابيا فصيحا ما معنى قوله : { ثم ليقضوا تفثهم } ؟ فقال ما أفسر القرآن ولكنا نقول للرجل ما أتفثك وما أدرنك ، ثم قال القفال وهذا أولى من قول الزجاج لأن القول قول المثبت لا قول النافي .

أما قوله : { وليوفوا نذورهم } فقرئ بتشديد الفاء ثم يحتمل ذلك ما أوجبه الدخول في الحج من أنواع المناسك ، ويحتمل أن يكون المراد ما أوجبوه بالنذر الذي هو القول ، وهذا القول هو الأقرب فإن الرجل إذا حج أو اعتمر فقد يوجب على نفسه من الهدي وغيره ما لولا إيجابه لم يكن الحج يقتضيه فأمر الله تعالى بالوفاء بذلك .

أما قوله : { وليطوفوا بالبيت العتيق } فالمراد الطواف الواجب وهو طواف الإفاضة والزيارة ، أما كون هذا الطواف بعد الوقوف ورمي الجمار والحلق ، ثم هو في يوم النحر أو بعده ففيه تفصيل ، وسمي البيت العتيق لوجوه . أحدها : العتيق القديم لأنه أول بيت وضع للناس عن الحسن . وثانيها : لأنه أعتق من الجبابرة فكم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله تعالى وهو قول ابن عباس وقول ابن الزبير ، ورووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما قصد أبرهة فعل به ما فعل ، فإن قيل فقد تسلط الحجاج عليه فالجواب : قلنا ما قصد التسلط على البيت وإنما تحصن به عبد الله بن الزبير فاحتال لإخراجه ثم بناه . وثالثها : لم يملك قط عن ابن عيينة . ورابعها : أعتق من الغرق عن مجاهد . وخامسها : بيت كريم من قولهم عتاق الطير والخيل ، واعلم أن اللام في ليقضوا وليوفوا وليطوفوا لام الأمر ، وفي قراءة ابن كثير ونافع والأكثرين تخفيف هذه اللامات وفي قراءة أبي عمرو تحريكها بالكسر .