البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

التفث : أصله الوسخ والقذر ، يقال لمن يستقذر : ما تفثك . وعن قطرب : تفث الرجل كثر وسخه في سفره . وقال أبو محمد البصري : التفث من التف وهو وسخ الأظفار ، وقلبت الفاء ثاء كمغثور . السحيق : البعيد . وجب الشيء سقط ، ووجبت الشمس جبة قال أوس بن حجر :

ألم يكسف الشمس شمس النهار والبدر للجبل الواجب-   -

والتفث : ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعثه ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة حسب الحديث ، وفي ضمن ذلك قضاء جميع مناسكه إذ لا يقضي التفث إلاّ بعد ذلك .

وقال ابن عمر : التفث ما عليهم من الحج وعنه المناسك كلها ، والنذور هنا ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم .

وقيل : المراد الخروج عما وجب عليهم نذروا أو لم ينذروا .

وقرأ شعبة عن عاصم { وليوفوا } مشدّداً والجمهور مخففاً { وليطوفوا } هو طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج ، وبه تمام التحلل .

وقيل : هو طواف الصدر وهو طواف الوداع .

وقال الطبري : لا خلاف بين المتأولين أنه طواف الإفاضة .

قال ابن عطية : ويحتمل بحسب الترتيب أن يكون طواف الوداع انتهى .

و { العتيق } القديم قاله الحسن وابن زيد ، أو المعتق من الجبابرة قاله ابن الزبير وابن أبي نجيح وقتادة ، كم جبار سار إليه فأهلكه الله قصده تبع ليهدمه فأصابه الفالج ، فأشار الأخيار عليه أن يكف عنه وقالوا له : رب يمنعه فتركه وكساه وهو أول من كساه ، وقصده أبرهة فأصابه ما أصابه وأما الحجاج فلم يقصد التسليط على البيت لكن تحصن به ابن الزبير فاحتال لإخراجه ثم بناه أو المحرر لم يملك موضعه قط قاله مجاهد ، أو المعتق من الطوفان قاله مجاهد أيضاً وابن جبير ، أو الجيد من قولهم : عتاق الخيل وعتاق الطير أو الذي يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب .

قال ابن عطية : وهذا يردّه التصريف انتهى .

ولا يرده التصريف لأنه فسره تفسير معنى ، وأما من حيث الإعراب فلأن { العتيق } فعيل بمعنى مفعل أي معتق رقاب المذنبين ، ونسب الإعتاق إليه مجازاً إذ بزيارته والطواف به يحصل الإعتاق ، وينشأ عن كونه معتقاً أن يقال فيه : يعتق فيه رقاب المذنبين .