لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

وقوله تعالى : { ثم ليقضوا تفثهم } أي ليزيلوا أدرانهم وأوساخهم والمراد منه الخروج عن الإحرام بالحلق وقص الشارب ونتف الإبط وقلم الأظفار والاستحداد ولبس الثياب والحاج أشعث أغبر إذا لم يزل هذه الأوساخ . وقال ابن عمر وابن عباس : قضاء التفث مناسك الحج كلها { وليوفوا نذورهم } أراد نذر الحج والهدي وما ينذر الإنسان من شيء يكون في الحج أي ليتموها بقضائها . وقيل المراد منه الوفاء بما نذر وهو على ظاهره وقيل : أراد به الخروج عما وجب عليه نذره أو لم ينذره { وليطوفوا بالبيت العتيق } أراد به طواف الواجب وهو طواف الإفاضة ووقته يوم النحر بعد الرمي والحلق . والطواف ثلاثة طواف القدوم وهو أنّ من قدم مكة يطوف بالبيت سبعاً يرمل ثلاثاً من الحجر الأسود إلى أن ينتهي إليه ويمشي أربعاً وهذا الطواف سنة لا شيء على من تركه ( ق ) عن عائشة : « إن أول شيء بدأ به حين قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ثم طاف ثم لم تكن عمرة ثم حجّ أبو بكر وعمر مثله » ( ق ) عن ابن عمر « أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف الطواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً » زاد في رواية « ثم يصلي ركعتين يعني بعد الطواف بالبيت ثم يطوف بين الصفا والمروة » ولفظ أبي داود « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أشواط ويمشي أربعاً ثم يصلي سجدتين » والطواف الثاني هو طواف الإفاضة وذلك يوم النحر بعد الرمي والحلق ( ق ) عن عائشة قالت : « حاضت صفية ليلة النفر فقالت : ما أراني إلا حابستكم قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم عقرى حلقى أطافت يوم النحر قيل نعم قال فانفري » قوله عقرى وحلقى معناه عقرها الله أي أصابها بالعقر وبوجع في حلقها وقيل معناه مشئومة مؤذية ولم يرد به الدعاء عليها وإنّما هو شيء يجري على ألسنة العرب كقولهم : لا أم لك وتربت يمينك وفيه دليل على أن من لم يطف يوم النحر طواف الإفاضة لا يجوز له أن ينفر . الثالث طواف الوداع لا رخصة لمن أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر في أن يفارقها حتى يطوف سبعاً فمن تركه فعليه دم إلا المرأة الحائض فإنه يجوز لها تركه للحديث المتقدم ولما روى ابن عباس قال « أمر الناس أن يكون الطواف آخر عهدهم بالبيت إلا أنه رخص للمرأة الحائض » متفق عليه . الرمل سنة تختص بطواف القدوم ولا رمل في طواف الإفاضة والوداع وقوله { بالبيت العتيق } قال ابن عباس وغيره سمي عتيقاً لأن الله أعتقه من أيدي الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه فلم يظهر عليه جبار قط ، وقيل لأنه أول بيت وضع للناس وقيل لأن الله أعتقه من الغرق فإنه رفع أيام الطوفان وقيل لأنه لم يملك .