مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (29)

{ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } ثم ليزيلوا عنهم أدرانهم كذا قاله نفطويه . قيل : قضاء التفث قص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد ، والتفث : الوسخ والمراد قضاء إزالة التفث . وقال ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما : قضاء التفث مناسك الحج كلها { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } مواجب حجهم والعرب تقول لكل من خرج عما وجب عليه : وفى بنذره وإن لم ينذر ، أو ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم ، { وليوفوا } بسكون اللام والتشديد : أبو بكر { وَلْيَطَّوَّفُواْ } طواف الزيارة الذي هو ركن الحج ويقع به تمام التحلل . اللامات الثلاث ساكنة عند غير ابن عياش وأبي عمرو { بالبيت العتيق } القديم لأنه أول بيت وضع للناس بناه آدم ثم جدده إبراهيم ، أو الكريم ومنه عتاق الخيل لكرائمها ، وعتاق الرقيق لخروجه من ذل العبودية إلى كرم الحرية ، أو لأنه أعتق من الغرق لأنه رفع زمن الطوفان ، أو من أيدي الجبابرة ؛ كم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله ، أو من أيدي الملاك فلم يملك قط وهو مطاف أهل الغبراء كما أن العرش مطاف أهل السماء ، فإن الطالب إذا هاجته معية الطرب وجذبته جواذب الطلب جعل يقطع مناكب الأرض مراحل ويتخذ مسالك المهالك منازل ، فإذا عاين البيت لم يزده التسلي به إلا اشتياقاً ولم يفده التشفي باستلام الحجر إلا احتراقاً ، فيرده الأسف لهفان ويردده اللهف حوله في الدوران ، وطواف الزيارة آخر فرائض الحج الثلاث ، وأولها الإحرام وهو عقد الالتزام يشبه الاعتصام بعروة الإسلام حتى لا يرتفض بارتكاب ما هو محظور فيه ويبقى عقده مع ما يفسده وينافيه ، كما أن عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثام وترتفع ألف حوبة بتوبة . وثانيها الوقوف بعرفات بسمة الابتهال في صفة الاهتبال ، وصدق الاعتزال عن دفع الاتكال على مراتب الأعمال وشواهد الأحوال .