{ عاليهم ثياب سندس } قرأ أهل المدينة وحمزة : { عاليهم } ساكنة الياء مكسورة الهاء ، فيكون في موضع رفع بالابتداء ، وخبره : ثياب سندس ، وقرأ الآخرون بنصب الياء وضم الهاء على الصفة ، أي فوقهم ، وهو نصب على الظرف { ثياب سندس خضر وإستبرق } قرأ نافع وحفص : { خضر وإستبرق } مرفوعاً عطفاً على الثياب ، وقرأهما حمزة والكسائي مجرورين ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر : خضر جر وإستبرق رفع ، وقرأ أبو جعفر وأهل البصرة والشام على ضده فالرفع على نعت الثياب والجر على نعت السندس . { وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً } قيل : طاهراً من الأقذار والأقذاء لم تدنسه الأيدي والأرجل كخمر الدنيا . وقال أبو قلابة وإبراهيم : إنه لا يصير بولاً نجساً ولكنه يصير رشحاً في أبدانهم ، كريح المسك ، وذلك أنهم يؤتون بالطعام ، فيأكلون ، فإذا كان آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور ، فيشربون فيطهر بطونهم ويصير ما أكلوا رشحاً يخرج من جلودهم أطيب من المسك الأذفر ، وتضمر بطونهم وتعود شهوتهم . وقال مقاتل : هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد .
وقوله : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } أي : لباس أهل الجنة فيها الحرير ، ومنه سندس ، وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم ، والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان ، وهو مما يلي الظاهر ، كما هو المعهود في اللباس{[29614]} { وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ } وهذه صفة الأبرار ، وأما المقربون فكما قال : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [ الحج : 23 ]
ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال{[29615]} بعده : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } أي : طهر بواطنهم من الحَسَد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرّديَّة ، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال : إذا انتهى أهلُ الجنة إلى باب الجنة وَجَدوا هنالك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما [ فأذهب الله ]{[29616]} ما في بطونهم من أذى ، ثم اغتسلوا من الأخرى فَجَرت عليهم نضرةُ النعيم .
القول في تأويل قوله تعالى : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلّوَاْ أَسَاوِرَ مِن فِضّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } .
يقول تعالى ذكره : فوقهم ، يعني فوق هؤلاء الأبرار ثياب سُنْدُسٍ . وكان بعض أهل التأويل يتأوّل قوله : عالِيَهُمْ فوق حِجَالهم المثبتة عليهم ثِيابُ سُنْدُسٍ وليس ذلك بالقول المدفوع ، لأن ذلك إذا كان فوق حجالٍ هم فيها ، فقد علاهم فهو عاليهم .
وقد اختلف أهل القراءة في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة وبعض قرّاء مكة : «عَالِيْهِمْ » بتسكين الياء . وكان عاصم وأبو عمرو وابن كثير يقرءونه بفتح الياء ، فمن فتحها جعل قوله عالِيَهُمْ اسما مرافعا للثياب ، مثل قول القائل : ظاهرهم ثياب سندس .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : ثِيابُ سُنْدُسٍ يعني : ثياب ديباج رقيق حسن ، والسندس : هو ما رقّ من الديباج .
وقوله : خُضْرٌ اختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه أبو جعفر القارىء وأبو عمرو برفع خُضْرٌ على أنها نعت للثياب ، وخفض «اسْتَبْرَقٍ » عطفا به على السندس ، بمعنى : وثياب إستبرق . وقرأ ذلك عاصم وابن كثير : «خُضْرٍ » خفضا واسْتَبْرَقٌ رفعا ، عطفا بالاستبرق على الثياب ، بمعنى : عاليهم استبرق ، وتصييرا للخضر نعتا للسندس . وقرأ نافع ذلك : خُضْرٌ رفعا على أنها نعت للثياب واسْتَبْرَقٌ رفعا عطفا به على الثياب . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : «خُضْرٍ واسْتَبْرَقٍ » خفضا كلاهما . وقرأ ذلك ابن محيصن بترك إجراء الاستبرق : «واسْتَبْرَقَ » بالفتح بمعنى : وثياب استبرق ، وفَتَحَ ذلك لأنه وجّهه إلى أنه اسم أعجميّ . ولكلّ هذه القراءات التي ذكرناها وجه ومذهب ، غير الذي سبق ذكرنا عن ابن محيصن ، فإنها بعيدة من معروف كلام العرب ، وذلك أن الاستبرق نكرة ، والعرب تجري الأسماء النكرة وإن كانت أعجمية ، والاستبرق : هو ما غَلُظ من الديباج . وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في ذلك فيما مضى قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته ها هنا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : الاستبرق : الديباج الغليظ .
وقوله : وَحُلّوا أساوِرَ مِنْ فِضّةٍ يقول : وحلاهم ربهم أساور ، وهي جمع أسورة من فضة .
وقوله : وَسَقاهُمْ رَبّهُمْ شَرَابا طَهُورا يقول تعالى ذكره : وسقى هؤلاء الأبرار ربّهُم شرابا طهورا ، ومن طهره أنه لا يصير بولاً نجسا ، ولكنه يصير رشحا من أبدانهم كرشح المسك ، كالذي :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم التيمي وَسَقاهُمْ رَبّهُمْ شَرَابا طَهُورا قال : عرق يفيض من أعراضهم مثل ريح المسك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن منصور ، عن إبراهيم التيمي ، مثله .
قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم التيمي ، قال : إن الرجل من أهل الجنة يقسَمُ له شهوة مئة رجل من أهل الدنيا ، وأكلهم وهمتهم ، فإذا أكل سقي شرابا طهورا ، فيصير رشحا يخرج من جلده أطيب ربحا من المسك الأذفر ، ثم تعود شهوته .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : شَرَابا طَهُورا قال : ما ذكر الله من الأشربة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبان ، عن أبي قِلابة : إن أهل الجنة إذا أكلوا وشربوا ما شاءوا دَعَوا بالشراب الطهور فيشربونه ، فتطهر بذلك بطونهم ويكون ما أكلوا وشربوا رَشْحا وريحَ مسك ، فتضمر لذلك بطونهم .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هريرة أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازي » قال : صعد جبرائيل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسريَ به إلى السماء السابعة ، فاستفتَح ، فقيل له : من هذا ؟ فقال : جبرائيل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قالوا : أَوَ قَدْ أُرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ وخليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيءُ جاء قال : فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس على كرسيّ عند باب الجنة ، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس ، وقوم في ألوانهم شيء ، فقام الذين في ألوانهم شيء ، فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خَلَص من ألوانهم شيء ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خَلَصت ألوانهم ، فصارت مثل ألوان أصحابهم ، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم ، فقال : يا جبريل من هذا الأشمط ، ومن هؤلاء البيض الوجوه ، ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء ، وما هذه الأنهار التي اغتسلوا فيها ، فجاءوا وقد صفت ألوانهم ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم ، أوّل من شَمِط على الأرض ، وأما هؤلاء البيض الوجوه ، فقوم لم يَلْبِسوا إيمانهم بظلم . وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئا فتابوا ، فتاب الله عليهم . وأما الأنهار ، فأوّلها رحمة الله ، والثاني نعمة الله ، والثالث سقاهم ربهم شرابا طهورا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق} يعني الديباج، وإنما قال: عليهم لأن الذي يلي جسده حريرة بيضاء،
{وحلوا أساور من فضة} وقال في آية أخرى يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا، فهي ثلاث أسورة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فوقهم، يعني فوق هؤلاء الأبرار ثياب سُنْدُسٍ. وكان بعض أهل التأويل يتأوّل قوله: عالِيَهُمْ فوق حِجَالهم المثبتة عليهم ثِيابُ سُنْدُسٍ وليس ذلك بالقول المدفوع، لأن ذلك إذا كان فوق حجالٍ هم فيها، فقد علاهم فهو عاليهم.
وقوله:"ثِيابُ سُنْدُسٍ "يعني: ثياب ديباج رقيق حسن، والسندس: هو ما رقّ من الديباج.
والاستبرق: هو ما غَلُظ من الديباج.
وقوله: "وَحُلّوا أساوِرَ مِنْ فِضّةٍ" يقول: وحلاهم ربهم أساور، وهي جمع أسورة من فضة.
وقوله: "وَسَقاهُمْ رَبّهُمْ شَرَابا طَهُورا" يقول تعالى ذكره: وسقى هؤلاء الأبرار ربّهُم شرابا طهورا، ومن طهره أنه لا يصير بولاً نجسا، ولكنه يصير رشحا من أبدانهم كرشح المسك.
عن مجاهد، قوله: "شَرَابا طَهُورا" قال: ما ذكر الله من الأشربة.
عن أبي قِلابة: إن أهل الجنة إذا أكلوا وشربوا ما شاءوا دَعَوا بالشراب الطهور فيشربونه، فتطهر بذلك بطونهم ويكون ما أكلوا وشربوا رَشْحا وريحَ مسك، فتضمر لذلك بطونهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق} فجائز أن يكون أراد بالعالي ما علا من المكان الذي هم فيه، فيخبر أن في أعلى أماكنهم ثياب خضر من سندس كما هو في المكان الذي هو أسفل موضع جلوسهم، لأنهم يكونون على الأرائك والحجال فيكون ما تحت الحجال والأرائك من الأماكن {ونمارق مصفوفة} {وزرابيّ مبثوثة} [الغاشية: 15و16] ويكون عاليها كذلك. فإن كان على هذا فرق بين أن يكون فرش ذلك المكان من حرير وديباج غليظ إن أريد بالإستبرق الديباج الغليظ، وبين أن يكون من ديباج رقيق، إذ كل ذلك مما يرغب في مثله، والله أعلم.
وقيل: {عاليهم} أي أعلى ثيابهم {ثياب سندس خضر وإستبرق}.
وقال بعضهم: عالي أنفسهم {ثياب سندس خضر} ومنهم من صرف السندس والإستبرق إلى ما بسط، لأن الديباج الغليظ مما لا ترغب الأنفس إلى لبس مثله، فجمع بين ما يلبس وبين ما يفرش، وبين الفعل في أحدهما، ولم يذكر في الآخر. ومنهم من قال: {عاليهم} هم الولدان يطوفون من أعاليهم، والله أعلم.
وقوله تعالى: {وحلوا أساور من فضة} فبشرهم بالأساور من الفضة، لأن الفضة مستحسنة بنفسها لبياضها، والذهب استحسانه لندرته وعزته، ليس لنفسه، لأنه أصفر، والأعين لا تستحسن هذا اللون، فجرت البشارة بالفضة لا بالذهب. وقال بعضهم: يحلّى الرجال بأسورة من الفضة على ما أبيح لهم التحلي بخاتم في الدنيا، وتحلى النساء بأساور الذهب على ما أبيح لهن بها في الدنيا.
وقوله تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} قيل: هو الخمر، يطهر من الآفات ومن كل مكروه، ويطهر قلوبهم من الغل، فيعمل ذلك الشراب في تطهير الظاهر والباطن.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
الشراب الطهورُ هو الطاهر في نفسِه المُطَهِّرُ لغيره. فالشراب يكون طهوراً في الجنة -وإنْ لم يحصل به التطهيرُ لأن الجنة لا يُحتاجُ فيها إلى التطهير. ولكنه- سبحانه -لمَّا ذَكَرَ الشرابَ- وهو اليومَ في الشاهد نجَسٌ -أخبر أنَّ ذلك الشرابَ غداً طاهرٌ، ومع ذلك مُطَهِّر؛ يُطَهِّرُهم عن محبة الأغيار، فمن يَحْتسِ من ذلك الشرابِ شيئاً طَهَّرَه عن محبة جميع المخلوقين والمخلوقات. ويقال: يُطَهِّرُ صدورهم من الغِلِّ والغِشِّ، ولا يُبْقِي لبعضهم مع بعض خصيمة ولا عداوة ولا دَعْوَى ولا شيء.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر الدار وساكنيها من مخدوم وخدم، ذكر لباسهم بانياً حالاً من الفاعل والمفعول: {عليهم} أي حال كون الخادم والمخدوم يعلو أجسامهم على سبيل الدوام، {ثياب سندس} وهو ما رق من الحرير {خضر} {وإستبرق} وهو ما غلظ من الديباج يعمل بالذهب، أو هو ثياب حرير صفاق نحو الديباج -قاله في القاموس. ولما كان المقصود لأرباب اللباس الفاخر الحلية، أخبر عن تحليتهم، وبني الفعل للمفعول دلالة على تيسر ذلك لهم وسهولته عليهم فقال: {وحلّوا} أي وجدت تحلية المخدومين والخدم {أساور من فضة} وإن كانت تتفاوت بتفاوت الرتب، وتقدم سر تخصيص هذه السورة بالفضة والأساورة بجمع ما فيها من لذة الزينة لذة اتساع الملك فإنها كناية عنه فإنه- كما قال الملوي -كان في الزمن القديم- إذا ملك ملك أقاليم عظيمة كثيرة لبس سواراً وسمي الملك المسور لاتساع مملكته وعظمتها وكثرة أقاليمها، وإن لم تجمع أقاليم لم يسور فما ظنك بمن أعطى من ذلك جمع الكثرة، وهي بالغة من الأعضاء ما يبلغه التحجيل في الوضوء كما قال صلى الله عليه وسلم: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " فلذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يرفع الماء إلى المنكبين وإلى الساقين. ولما كان ربما ظن بما تقدم من ذلك الممزوج شيء من نقص لأجله يمزج كما هو في الدنيا، وكان قد قال أولاً {يشربون} بالبناء للفاعل، وثانياً (يسقون) بالبناء للمفعول، قال بانياً للفاعل بياناً لفضل ما يسقونه في نفسه وفي كونه من عند الإله الأعظم المتصف بغاية الإحسان على صفة من العظمة تليق بإحسانه سبحانه بما أفاده إسناد الفعل إليه: {وسقاهم} وعبر بصفة الإحسان تأكيداً لذلك فقال: {ربهم} أي الموجد لهم المحسن إليهم المدبر لمصالحهم {شراباً طهوراً *} أي ليس هو كشراب الدنيا سواء كان من الخمر أو من الماء أو من غيرهما، بل هو بالغ الطهارة والوصف بالشرابية من العذوبة واللذة واللطافة، وهو مع ذلك آلة للتطهير البالغ للغير فلا يبقى في بواطنهم غش ولا وسواس، ولا يريدون إلا ما يرضي مليكهم مما أسس على غاية الحكمة وفاق كامل وسجايا مطهرة وأخلاق مصطفاة لا عوج فيها.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة}
هذه الأشياء من شعار الملوك في عرف الناس زَمانَئِذ، فهذا مرتبط بقوله {ومُلكاً كبيراً} [الإنسان: 20].
فأما السندس فمعرب عن اللغة الهندية وأصله (سندون)، والظاهر أنه لا يكون إلاّ أخضر اللون.
وأما الإِستبرق فنسج من نسج الفرس واسمه فارسي، وأصله في الفارسية: استقره.
والمعنى: أن فوقهم ثياباً من الصنفين يلبسون هذا وذاك جمعاً بين محاسن كليهما، وهي أفخر لباس الملوك وأهل الثروَة.
ولون الأخضر أمتع للعين وكان من شعار الملوك.
والأساور: جمع سِوار وهو حَلي شكله اسطواني فارغ الوسط يلبسه النساء في معاصمهن ولا يلبسه الرجال إلاّ الملوك، وقد ورد في الحديث ذكر سواري كسْرى.
والمعنى: أن حال رجال أهل الجنة حال الملوك ومعلوم أن النساء يتحلّيْنَ بأصناف الحلي.
ووصفت الأساور هنا بأنها من فضة.} وفي سورة الكهف (31) بأنها {من ذهب} في قوله:"يُحلَّون فيها من أساور من ذهب"، أي مرة يحلَّون هذه ومرة الأخرى، أو يحلونهما جميعاً بأن تجعل متزاوجة لأن ذلك أبْهج منظراً كما ذكرناه في تفسير قوله: {كانت قواريرا قواريرا من فضة} [الإنسان: 15، 16].
{وسقاهم ربهم شرابا طهورا} هذا احتراس مما يوهمه شُربهم من الكأس الممزوجة بالكافور والزنجبيل من أن يكون فيها ما في أمثالها المعروفة في الدنيا من الغَوْل وسوءِ القول والهذيان، فعبر عن ذلك بكون شرابهم طَهوراً بصيغة المبالغة في الطهارة وهي النزاهة من الخبائث، أي منزهاً عما في غيره من الخباثة والفساد.