{ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ } قرأ قتادة ومجاهد وابن سيرين وعون العقيلي وابن محيص وأبو جعفر ونافع والأعمش وحمزة وأيوب { عَالِيَهُمْ } بتسكين الياء على أنه اسم موصوف بالفعل يقول علاهم فهو عاليهم ، واختاره أبو عبيد إعتباراً بقراءة ابن مسعود وابن وثاب وغيرهما ( عاليتهم ) ، وتفسير ابن عباس : أما رأيت الرجل عليه ثياب يعلوها أفضل منها ، وقرأ الباقون بنصب الياء على الصفة أي فوقهم وهو نصب على الظرف ، وقيل : هو كقوله :
{ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } [ الأنبياء : 3 ] وقد مضى ، ذكرنا تقديم الصفة على الموصوف ، وقيل : معناه عالياً لهم ثيابها كقوله :
{ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ } [ المائدة : 95 ] ونحوها .
{ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } اختلف القراء فيهما فقرأ ابن كثير وابو بكر والمفضل خضر بالخفض على نعت السندس والاستبرق بالرفع على نعت الثياب ، وقرأ أبو جعفر وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بضده واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، وقرأ نافع وأيوب وحفص كليهما بالرفع ، وقرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلف كليهما بالجر .
{ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } طاهر من الأقذار لم تدنسه الأيدي ولم تدنسه الأرجل كخمر الدنيا قال أبو قلابة وإبراهيم : يعني أنه لا يصير نجساً ولكنه يصير رشحاً في أيديهم كريح المسك ، وأن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا وأكلهم ونهمتهم ، فإذا أكل ما شاء سُقي شراباً طهوراً فيطهر بطنه ويصير ما أكل رشحاً يخرج من جلده أطيب ريحاً من المسك الأذفر ويضمر بطنه وتعود شهوته ، وقيل : يطهرهم من الذنوب والأدناس والأنجاس ويرشحهم للجنّة .
وقال جعفر : يطهّرهم به عن كلّ شيء سواه ، إذ لا طاهر من تدنّس شيء من الأكوان .
وقال أبو سليمان الداراني سقاهم ربّهم على حاشية بساط الود ، فأرواهم من صحبة الخلق وأراهم رؤية الحقّ ، ثمّ أقعدهم على منابر القدس وحيّاهم بتحيّة المزمّل وأمطر التأييد ، فسالت عليهم أودية الشوق فكفاهم هموم الفرقة وحيّاهم بسرور القربة .
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا عبد الله محمّد بن علي الشاشي يقول : سمعت الحسن بن علوية الدامغاني يقول سئل أبو يزيد البسطامي عن قوله سبحانه { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } قال : طهّرهم به عن محبّة غيره ثم قال : إنّ لله شراباً ادّخره لأفاضل عباده يتولى سقيهم فإذا شربوا طاشوا وإذا طاشوا طاروا وإذا طاروا وصلوا وإذا وصلوا اتّصلوا فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت طيّب الحمّال يقول : صلّيت خلف سهل بن عبد الله العتمة فقرأ قوله : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } فجعل يحرّك فمه كأنّه يمصّ شيئاً ، فلمّا فرغ من صلاته قيل له : إتشرب أم تقرأ ؟ قال : والله لو لم أجد لذّته عند قراءته كلذّتي عند شربه ما قرأته .
وأخبرني الحسين قال : حدّثنا هارون قال : حدّثا حازم بن يحيى الحلواني قال حدّثنا محمّد ابن عبد الله بن عمار الموصلي قال : حدّثنا عفيف بن سالم عن أيّوب بن عتبة عن عطاء عن ابن عمر قال : " جاء رجل من الحبشة إلى النبي ( عليه السلام ) عليه السلام يسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " سل واستفهم " .
فقال : يا رسول الله فضلتم علينا بالصوَر والألوان والنبوّة أفرأيت إن آمنت بمثل ما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به أأني لكائن معك في الجنّة ؟ قال : " نعم " ثمّ قال النبي ( عليه السلام ) : " والذي نفسي بيده ليرى بياض الأسود في الجنّة مسيرة ألف عام " ، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلاّ الله كان له بها عهد عند الله ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة " .
قال رجل : كيف نهلك بعدها يا رسول الله ؟
قال : " إنّ الرجل ليأتي يوم القيامة لو وضع على جبل لأثقله ، قال : فتقوم النعمة من نعم الله سبحانه فيكاد أن تستنفد ذلك كلّه إلاّ أن يتطوّل الله تعالى برحمته " قال : ثمّ نزلت { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ } إلى قوله { وَمُلْكاً كَبِيراً } الآيات .
قال الحبشي : وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنّة .
قال النبي ( عليه السلام ) : " نعم " فاشتكى الحبشي حتى فاضت نفسه . فقال ابن عمر : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليّه في حفرته بيده " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.