قوله : { عَالِيَهُمْ } . قرأ نافع وحمزة{[58931]} : بسكون الياء وكسر الهاء ، والباقون : بفتح الياء وضم الهاء ، لما سكنت الياء كسر الهاء ، ولما تحركت ضمت على ما تقدم في أول الكتاب .
فأما قراءة نافع وحمزة ، ففيها أوجه :
أظهرها : أن يكون خبراً مقدماً ، و «ثياب » مبتدأ مؤخر .
والثاني : أن «عاليهم » مبتدأ ، و«ثياب » مرفوع على جهة الفاعلية ، وإن لم يعتمد الوصف ، وهذا قول الأخفش .
والثالث : أن «عاليهم » منصوب ، وإنما سكن تخفيفاً . قاله أبو البقاء .
وإذا كان منصوباً فسيأتي فيه أوجه ، وهي واردة هنا ، إلا أن تقدير الفتحة من المنقوص لا يجوز إلا في ضرورة أو شذوذ ، وهذه القراءة متواترة ، فلا ينبغي أن يقال به فيها ، وأما قراءة من نصب ، ففيه أوجه :
أحدها : أنه ظرف خبر مقدم ، و«ثياب » مبتدأ مؤخر ، كأنه قيل : فوقهم ثياب .
قال أبو البقاء : لأن عاليهم بمعنى فوقهم .
قال ابن عطية : يجوز في النصب أن يكون على الظرف ؛ لأنه بمعنى فوقهم .
قال أبو حيان{[58932]} : وعالٍ وعالية اسم فاعل فيحتاج في إثبات كونهما ظرفين إلى أن يكون منقولاً من كلام العرب : «عاليك أو عاليتك ثوب » .
قال شهاب الدين{[58933]} : قد وردت ألفاظه من صيغة أسماء الفاعلين ظروفاً ، نحو خارج الدار ، وداخلها وظاهرها ، وباطنها ، تقول : جلست خارج الدَّار ، وكذلك البواقي ، فكذلك هنا .
الثاني : أنه حال من الضمير في «عَلَيْهِم » .
الثالث : أنه حال من مفعول «حَسِبْتَهُمْ » .
الرابع : أنه حال من مضاف مقدر ، أي : رأيت أهل نعيم وملكٍ كبير عاليهم ، ف «عَاليهم » حال من «أهل » المقدر ، ذكر هذه الأوجه الثلاثة : الزمخشري ، فإنه قال : «وعاليهم » بالنصب على أنه حال من الضمير في «يطوف عليهم » أو في «حسبتهم » أي : يطوف عليهم ولدان عالياً للمطوف عليهم ثياب ، أو حسبتهم لؤلؤاً عالياً لهم ثياب ، ويجوز أن يراد : رأيت أهل نعيم وملك عاليهم ثياب .
قال أبو حيان{[58934]} : أما أن يكون حالاً من الضمير في «حَسِبْتَهُمْ » ، فإنه لا يعني إلا ضمير المفعول ، وهو لا يعود إلا على «ولدان » ، وهذا لا يصح ؛ لأن الضمائر الآتية بعد ذلك تدل على أنها للمعطوف عليهم من قوله تعالى { وحلوا } ، { وَسَقَاهُمْ } و { إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً } وفك الضمائر يجعل كذا وذلك كذا مع عدم الاحتياج إلى ذلك ، والاضطرار إلى ذلك لا يجوز ، وأما جعله حالاً من محذوف ، وتقديره : أهل نعيم ، فلا حاجة إلى ادعاء الحذف مع صحة الكلام وبراعته دون تقدير ذلك المحذوف .
قال شهاب الدين{[58935]} : جعل أحد الضمائر لشيء ، والآخر لشيء آخر لا يمنع صحة ذلك مع ما يميز عود كل واحد إلى ما يليق به ، وكذلك تقدير المحذوف غير ممنوع أيضاً ، وإن كان الأحسن أن تتفق الضمائر وألاَّ يقدر محذوف ، والزمخشري إنما ذكر ذلك على سبيل التجويز لا على سبيل أنه مساوٍ أو أولى ، فيرد عليه ما ذكره .
الخامس : أنه حال من مفعول «لقَّاهم » .
السادس : أنه حال من مفعول «جزاهم » . ذكرهما مكي .
وعلى هذه الأوجه التي انتصب فيها على الحال يرتفع به «ثياب » على الفاعلية ، ولا يضر إضافته إلى معرفة في وقوعه حالاً ؛ لأن الإضافة لفظية كقوله تعالى : { عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [ الأحقاف : 24 ] فأنّث «عارضاً » ولم يؤنث عالياً لأن مرفوعه غير حقيقي التأنيث .
السابع : أن ينتصب «عاليهم » على الظرف ، ويرتفع «ثياب » به على جهة الفاعلية ، وهذا ماشٍ على قول الأخفش والكوفيين حيث يعملون الظرف وعديله ، وإن لم يعتمد كما تقدم ذلك في الصفّ .
وإذا رفع «عاليهم » بالابتداء ، و«ثياب » على أنه فاعل به ، كان مفرداً على بابه لوقوعه موقع الفعل ، وإذا جعل خبراً مقدماً كان مفرداً لا يراد به الجمع ، فيكون كقوله تعالى : { فَقُطِعَ دَابِرُ القوم } [ الأنعام : 45 ] أي أدبار . قاله مكي .
وقرأ ابن مسعود{[58936]} وزيدُ بن علي : «عاليتهم » مؤنثاً بالتاء مرفوعاً .
والأعمش وأبان عن عاصم كذلك{[58937]} ، إلا أنه منصوب .
وقد عرف الرفع والنصب مما تقدم .
وقرأت عائشة{[58938]} - رضي الله عنها - «عَليَتْهُم » فعلاً ماضياً متصلاً بتاء التأنيث الساكنة ، و«ثياب » فاعل به ، وهي مقوية للأوجه المذكورة في رفع «ثياب » بالصفة في قراءة الباقين كما تقدم تفصيله .
وقرأ ابن سيرين{[58939]} ومجاهد ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة وخلائق : جاراً ومجروراً .
وإعرابه كإعراب «عاليهم » ظرفاً في جواز كونه خبراً مقدماً ، أو حالاً مما تقدم وارتفاع «ثياب » به على التفصيل المذكور .
قال ابن الخطيب{[58940]} : والضمير في «عاليهم » إما للولدان أو للأبرار .
فكأنهم يلبسُون عدة من الثياب ، فيكون الذي يعلوها أفضلها ، ولهذا قال تعالى «عاليهم » أي فوق حجالهم المضروبة عليهم ثيابُ سندسٍ ، والمعنى : أن حجالهم من الحرير والديباج .
قوله تعالى : { ثِيَابُ سُندُسٍ } . قرأ العامة : بإضافة الثياب لما بعدها .
وأبو حيوة{[58941]} وابن أبي عبلة : «ثِيَابٌ » منونة ، { سُندُسٌ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } برفع الجميع ف «سُنْدُسٌ » نعت ل «ثِيَابٌ » ؛ لأن «السندس » نوع ، و «خُضْرٌ » نعت ل «سُنْدُسٌ » يكون أخضر وغير أخضر ، كما أن الثياب تكون سندساً وغيره ، و«إسْتَبْرَقٌ » نسق على ما قبله ، أي : وثياب إستبرق .
واعلم أن القراء السبعة في «خُضْرٌ » ، و«إسْتَبْرَقٌ » على أربع مراتب{[58942]} .
الأولى : رفعهما ، لنافع وحفص فقط .
الثانية : خفضهما ، الأخوين فقط .
الثالثة : رفع الأول ، وخفض الثاني ، لأبي عمرو وابن عامر فقط .
الرابعة : عكسه ، لابن كثير وأبي بكر فقط .
فأما القراءة الأولى : فإن رفع «خضرٌ » على النعت ل «ثياب » ورفع «إستبرق » نسق على «الثياب » ولكن على حذف مضاف أي : وثيابٌ إستبرق ومثله : على زيد ثوبُ خزٍّ وكتانٍ أي : وثوبُ كتَّانٍ .
وأما القراءة الثانية : فيكون جر «خضر » على النعت ل «سندس » .
ثم استشكل على هذا وصف المفرد بالجمع ، فقال مكي : هو اسم جمع .
وقيل : هو جمع «سندسة » ك «تمر وتمرة » ، ووصف اسم الجنس بالجمع يصح ، قال تعالى { وَيُنْشِىءُ السحاب الثقال } [ الرعد : 12 ] ، و{ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] ، و{ مِّنَ الشجر الأخضر } [ يس : 80 ] وإذا كانوا قد وصفوا المحل لكونه مراداً به الجنس بالجمع في قولهم : «أهلك الناسَ الدينارُ الحمرُ والدِّرهمُ البيضُ » ، وفي التنزيل : { أَوِ الطفل الذين } [ النور : 31 ] فلأن يوجد ذلك في أسماء الجموع أو أسماء الأجناس الفارق بينها وبين واحدها تاء التأنيث بطريق الأولى ، وجر «إستبرق » نسقاً على «سندس » ، لأن المعنى ثياب من سندس ، وثياب من إستبرق .
وأما القراءة الثالثة : فرفع «خضر » نعتاً ل «ثياب » وجر «إستبرق » نسقاً على سندس أي : ثياب خضر من سندس ، ومن إستبرق ، فعلى هذا يكون الإستبرق أيضاً أخضر .
وأما القراءة الرابعة : فجر «خضر » على أنه نعت ل «سندس » ورفع «إستبرق » على النسق على «ثياب » بحذف مضاف ، أي : وثياب استبرق . وتقدم الكلام على مادة السندس والإستبرق في سورة الكهف{[58943]} .
وقرأ ابن محيصن{[58944]} : «وإستبرق » بفتح القاف ، ثم اضطرب النقل عنه في الهمزة ، فبعضهم ينقل عنه أنه قطعها ، وبعضهم ينقل أنه وصلها .
قال الزمخشري : «وقرئ : «وإستبرق » نصباً في موضع الجر على منع الصرف ، لأنه أعجمي ، وهو غلط ؛ لأنه نكرة يدخله حرف التعريف ، تقول الإستبرق ، إلا أنه يزعم ابن محيصن أنه قد جعل علماً لهذا الضرب من الثياب ، وقرأ : «واستبرقَ » بوصل الهمزة والفتح على أنه مسمى ب «استفعل » من البريق ، وهو ليس بصحيح - أيضاً - لأنه معرب مشهور تعريبه وأصله استبره » .
وقال أبو حيان{[58945]} : ودل قوله : إلا أن يزعم ابن محيصن ، وقوله بعد : وقرئ «وإستبرق » بوصل الألف والفتح ، أنّ قراءة ابن محيصن هي بقطع الهمزة مع فتح القاف ، والمنقول عنه في كتب القراءات : أنه قرأ بوصل الألف وفتح القاف .
قال شهاب الدين{[58946]} : قد سبق الزمخشري إلى هذا مكي ، فإنه قال : وقد قرأ ابن محيصن بغير صرف ، وهو وهم إن جعله اسماً ؛ لأنه نكرة منصرفة .
وقيل : بل جعله فعلاً ماضياً من «برق » فهو جائز في اللفظ بعيد في المعنى .
وقيل : إنه في الأصل فعل ماض على «استفعل » من «برق » ، فهو عربي من البريق ، فلما سمِّي به قطعت ألفه ؛ لأنه ليس من أصل الأسماء أن يدخلها ألف الوصل ، وإنما دخلت معتلة مغيرة عن أصلها ، معدودة ، لا يقاس عليها ؛ انتهى ، فدل قوله «قطعت ألفه » إلى آخره ، أنه قرأ بقطع الهمزة وفتح القاف ، ودل قوله أولاً : وقيل : بل جعله فعلاً ماضياً من «برق » ، أنه قرأ بوصل الألف ، لأنه لا يتصور أن يحكم عليه بالفعلية غير منقول إلى الأسماء ، ويترك ألفه ألف قطعٍ ألبتة ، وهذا جهل باللغة ، فيكون قد رُوِيَ عنه قراءتا قطع الألف ووصلها ، فظهر أن الزمخشري لم ينفرد بالنقل عن ابن محيصن بقطع الهمزة .
وقال أبو حاتم في قراءة ابن محيصن : لا يجوز ، والصواب : أنه اسم جنس لا ينبغي أن يحمل ضميراً ويؤيد ذلك دخول لام المعرفة عليه ، والصواب قطع الألف وإجراؤه على قراءة الجماعةِ .
قال أبو حيان{[58947]} : نقول : إن ابن محيصن قارئٌ جليلٌ مشهورٌ بمعرفة العربية ، وقد أخذ عن أكابر العلماء ، فيتطلب لقراءته وجه ، وذلك أنه يجعل «استفعل » من البريق ، تقول : برق واستبرق ، ك «عجب واسْتعجَبَ » ، ولما كان قوله : «خضر » يدل على الخضرة ، وهي لون ذلك السُّنْدس ، وكانت الخضرة مما يكون فيها لشدتها دُهمة وغبش ، أخبر أن في ذلك بريقاً وحسناً يزيل غبشيته ، ف «استبرق » فعل ماض ، والضمير فيه عائد على السُّندس ، أو على الأخضر الدالّ عليه خضر ، وهذا التخريج أولى من تلحين من يعرف بالعربية ، وتوهيم ضابط ثقة . وهذا هو الذي ذكره مكي . وهذه القراءة قد تقدمت في سورة الكهف .
قوله تعالى : { وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } عطف على «ويَطُوفُ » عطف ماضياً لفظاً مستقبلاً معنى ، وأبرزه بلفظ الماضي لتحققه .
وقال الزمخشري بعد سؤال وجواب من حيث المعنى : وما أحسن بالمعصم أن يكون فيه سواران : سِوَار من ذهب وسوار من فضة .
وناقشه أبو حيان في قوله : «بالمِعْصَم » ، فقال{[58948]} : قوله : «بالمعصم » إما أن يكون مفعول «أحسن » وإما أن يكون بدلاً منه ، وقد فصل بينهما بالجار والمجرور ، فإن كان الأول فلا يجوز ؛ لأنه لم يعهد زيادة الباء في مفعول «أفعل » التعجب ، لا تقول : ما أحسن بزيد ، تريد : ما أحسن زيداً ، وإن كان الثاني ففي هذا الفصل خلافٌ ، والمنقول عن بعضهم أنه لا يجوز ، والمولد منا إذا تكلم ينبغي أن يتحرز في كلامه فيما فيه خلافٌ .
قال شهاب الدين{[58949]} : وأي غرض له في تتبع كلام هذا الرجل حتى في الشيء اليسير على أن الصحيح جوازه ، وهو المسموع من العرب نثراً ؛ قال عمرو بن معديكرب : لله درُّ بني مجاشع ما أكثر في الهيجاء لقاءها ، وأثبت في المكرمات بقاءها ، وأحسن في اللَّزْباتِ عطاءها ، والتشاغل بغير هذا أولى .
قال هنا : «أساور من فضة » وفي سورة «فاطر » : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } [ فاطر : 33 ] ، وفي سورة «الحج » : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } [ الحج : 23 ] فقيل : حليُّ{[58950]} الرجل الفضة .
وقيل : يجمع في يد أحدهم سواران من ذهب ، وسواران من فضة ، وسواران من لؤلؤ ، ليجتمع محاسن أهل الجنة . قاله سعيد بن المسيب رضي الله عنه .
وقيل : يعطى كل أحد ما يرغب فيه وتميل نفسه إليه .
وقيل : أسورةُ الفضة إنما تكون للولدان وأسورة الذهب للنساء .
قوله تعالى : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } ] {[58951]} ، قال : إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مرُّوا بشجرة تخرج من تحت ساقها عينان ، فيشربون من إحداها ، فيجري عليهم بنضرة النعيم ، فلا تتغير أبشارهم ، ولا تشعّث أشعارهم أبداً ، ثم يشربون من الأخرى ، فيخرج ما في بطونهم من الأذى ، ثم تستقبلهم خزنةُ الجنة ، فيقولون لهم : { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ }{[58952]} [ الزمر : 73 ] .
وقال النخعي وأبو قلابة ، هو إذا شربوه بعد أكلهم طهرهم ، وصار ما أكلوه وما شربوه رشح مسكٍ وضمرت بطونهم{[58953]} .
وقال مقاتل : هو من عين ماء على باب الجنة ينبع من ساق شجرة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غشٍّ وغلٍّ وحسدٍ ، وما كان في جوفه من أذى{[58954]} ، وعلى هذا فيكون «فعولاً » للمبالغة ، ولا يكون فيه حجة للحنفي أنه بمعنى الطاهر . قاله القرطبي{[58955]} .
قال ابن الخطيب{[58956]} : قوله تعالى : { طَهُوراً } فيه قولان :
الأول : المبالغة في كونه طاهراً ثم على التفسير احتمالان :
أحدهما : ألاَّ يكون نجساً كخمر الدنيا .
وثانيهما{[58957]} : المبالغة في البعد عن الأمور المستقذرة ، يعني ما مسته الأيدي الوضيعة والأرجل الدنسة .
وثانيهما : أنه لا يؤول إلى النجاسة ، لأنها ترشح عرقاً من أبدانهم له ريح كريح المسكِ ، وعلى هذين الوجهين يكون الطهور مطهراً ؛ لأنه يطهِّرُ باطنهم عن الأخلاق الذميمة والأشياء المؤذية .
فإن قيل : قوله تعالى : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } هو نوع ما ذكره قبل ذلك من أنهم يشربون من عين الكافور والزنجبيل والسلسبيل ، أو هذا نوع آخر ؟ .
قلنا : بل هذا نوع آخر ، لوجوه :
والثاني «أنه تعالى أضاف هذا الشراب إلى نفسه تبارك وتعالى ، بقوله تعالى : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } ، وذلك يدل على فضل هذا على غيره .
والثالث : ما روي من أنه يقدِّم إليهم الأطعمة والأشربة ، فإذا فرغوا منها أتُوا بالشراب الطهور فيشربون فيطهر ذلك بطونهم ويفيض عرقاً من جلودهم مثل ريح المسكِ ، وهذا يدل على أن الشراب مغاير لتلك الأشربة ، ولأن هذا الشراب يهضم سائر الأشربة ثم له مع هذا الهضم تأثير عجيب وهو أنه يجعل سائر الأطعمة والأشربة عرقاً يفوح منه كريح المسك وكل ذلك يدل على المغايرة .