الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{عَٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضۡرٞ وَإِسۡتَبۡرَقٞۖ وَحُلُّوٓاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٖ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابٗا طَهُورًا} (21)

ثم قال تعالى : ( عاليهم ثياب سندس [ خضر ] {[72576]} وإستبرق )

من أسكن الياء في ( عاليهم ) {[72577]} جعله مرفوعا بالابتداء ، وما بعده خبَرَه {[72578]} ، وشاهده أن في قراءة ابن مسعود " عاليتهم ثياب " {[72579]} .

ومن فتح الياء {[72580]} جعله ظرفا خبَر ( ابتداء ) {[72581]} مقدم ، وهو " ثياب " {[72582]} . وشاهِده أن [ مجاهدا ] {[72583]} قرأ " عليهم ثياب " {[72584]} .

والسندس : رقيق الديباج ، والاستبرق : غليظه {[72585]} .

فالمعنى : أن الثياب الخضر تعلو ثياب أهل الجنة . هذا على قراءة من رفع الخضر وخفض السندس {[72586]} .

وقيل : معناه أن الثياب الخضر فوق حجالهم {[72587]} لا عليهم {[72588]} .

قال الطبري : ( عاليهم ) أي : " فوقهم ، يعني : فوق هؤلاء الأبرار ثياب سندس " {[72589]} . هذا كله على قراءة من فتح الياء .

ومن أسكنها فمعناه : ظاهرهم ثياب سندس {[72590]} .

وقرأ ابن محيصن {[72591]} : " واستبرق " بوصل الألف {[72592]} وفتح القاف {[72593]} . وهو لحن عند النحويين ، لأنه لا يمتنع {[72594]} مثل هذا من الصرف في النكرة {[72595]} . ولأنه لا توصل ألف مثل هذا ( في التسمية به ) {[72596]} ، ولو سميت بِـ " استكبر " {[72597]} لقطعت الألف لانتقاله من الأفعال إلى الأسماء .

هذا قول الخليل وسيبويه {[72598]} .

- ثم قال تعالى : ( وحلوا أساور من فضة )

أي : وحلاهم ربهم أساور من فضة ، وهو جمع أسورة {[72599]} .

- ثم قال : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا )

أين شرابا يصير رشْحا في أبدانهم ( كرشح المسك ) {[72600]} . لا {[72601]} صير بولا نجسا كشراب الدنيا {[72602]} . قال النخعي : " إن الرجل من أهل الجنة ( يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا ) {[72603]} وأكلهم ونعمتهم {[72604]} فإذا أكل سقي شرابا طهورا فيصير رشحا يخرج من جلده أطيب من المسك الأذفر {[72605]} ، ثم تعود إليه لشهوته " {[72606]} .


[72576]:- م: حضر.
[72577]:- هي قراءة عامة قراء المدينة والكوفة وبعض قراء مكة في جامع البيان 29/222 وقراءة نافع وحمزة وأبان والمفضل عن عاصم في السبعة: 664 والمبسوط: 455 حيث ذكرها عن أبي جعفر أيضا. وهي أيضا قراءة الاعرج وأبي جعفر وشيبة وابن محيصن وابن عباس بخلاف عنه في المحرر 16/192 واختارها أبو عبيد في تفسير القرطبي: 19/145.
[72578]:- انظر إعراب النحاس 5/104 والحجة لأبي زرعة 739 والكشف 2/354 وتفسير القرطبي 19/145.
[72579]:- انظر قراءة ابن مسعود في المحرر 16/192 حيث حكاها أيضا عن الأعمش وطلحة وتفسير القرطبي 19/145 وحكاها عن ابن وثاب أيضا وفي المختصر لابن خالويه: 166 عن ابن مسعود "عاليتهن".
[72580]:- هي قراءة عاصم وأبي عمرو وابن كثير في جامع البيان 29/222 وقراءة جمهور السبعة في السبعة لابن مجاهد: 664 وهي قراءة يعقوب وخلف أيضا في المبسوط 455 وانظر تفسير القرطبي 19/145 والبحر 8/399 حيث عزاها إلى عمر وابن عباس والحسن ومجاهد والجحدري وأهل مكة.
[72581]:- تكررت في ث.
[72582]:- انظر إعراب النحاس 5/104 والحجة لابن خالويه 359 والحجة لأبي زرعة 740 والكشف 2/354.
[72583]:- أ، م: مجاهد.
[72584]:- انظر إعراب النحاس 5/104.
[72585]:- انظر الغريب لابن قتيبة ص 267 وص 403 وجامع البيان 29/222.
[72586]:- انظر جامع البيان 29/222.
[72587]:- الحجال جمع "حَجَلة بالتحريك: بيت القبة يستر بالثياب وتكون له أزرار كبار" النهاية لابن الأثير: 1/346. وفي اللسان: (حجل): "حَجَلَةُ العَروس: معروفة، وهي بيت يزين بالثياب والأسِرّة والستور".
[72588]:- ذكره الطبري في جامع البيان 29/222 عن "بعض أهل التأويل".
[72589]:- جامع البيان 29/222.
[72590]:- الذي في جامع البيان: 29/222: "فمن فتحها جعل قوله (عاليهم) اسما مرافعا للثياب، مثل قول القائل: ظاهرهم ثياب سندس.
[72591]:- أ: ابن حصين. ث: ابن محيص. (تحريف في كلا النسختين) وابن محيصن هو: محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي مولاهم المكي، مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، عرض على سعيد بن جبير وعرض عليه أبو عمرو بن العلاء. (ت: 123ﻫ) بمكة انظر: الغاية لابن الجزري: 2/167.
[72592]:- أ: لا الف.
[72593]:- انظر قراءة ابن محيصن في جامع البيان 29/222 وفيه أنه "فتح ذلك لأنه وجّهه إلى أنه اسم أعجمي". وانظر: المختصر لابن خالويه: 166 وفيه أنها "على وزن: استفعل". والمحتسب 2/344 عن هذه الآية من سورة الانسان وص: 304 عن قوله تعالى في سورة الكهف الآية 31 {ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق}. وقد وجهها ابن جني ووجد لها مخرجا في اللغة. وانظر المحرر 16/192. وفي تفسير القرطبي 19/146 "كلهم صرف الاستبرق إلا ابن محيصن غير أنهم اختلفوا بين من يقرأ بالخفض وبين من يقرأ بالرفع. انظر تفصيل ذلك في السبعة 664 والمبسوط: 455.
[72594]:- أ: يمنع.
[72595]:- في جامع البيان 29/222: "العرب تجري الاسماء النكرة وإن كانت أعجمية" وانظر معاني الزجاج 5/262 وإعراب النحاس 5/105 وتفسير القرطبي 19/146.
[72596]:- ما بين قوسين بياض في ث.
[72597]:- أ: باستكبرت، ث: فاستكر. وفي إعراب النحاس 5/104: "لو سميت رجلا بـ "استَكْبَرَ" لقلت: جاءني إسْتَكْبَرُ".
[72598]:- انظر الكتاب 3/234 قال: "اعلم أن كل اسم أعجمي أعرب وتمكن في الكلام فدخلته الألف واللام وصار نكرة فإنك إذا سميت به رجلا صرفته، إلا أن يمنعه من الصرف ما يمنع العربي" ثم مثَّلَ لذلك بأمثلة وليس فيها : "استكبر" وقد ذكر النحاس في إعرابه 5/104 هذا المثال حكاية عن سيبويه.
[72599]:- انظر جامع البيان 29/222. والأساورة جمع الجمع: انظر معاني الزجاج 4/415 واللسان (سور) حكاية عن الزجاج "قال: الأساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، وهو سوار المرأة وسوارها، قال: والقلب من الفضة يسمى سوارا، وإن كان من الذهب، فهو أيضا سوار وكلاهما لباس أهل الجنة" وما جاء في اللسان أضبط وأصح مما جاء في النسخة المطبوعة من معاني الزجاج. وانظر: مفردات الراغب: 254 (سور).
[72600]:- ما بين قوسين بياض في: ث.
[72601]:- أ: ولا.
[72602]:- انظر جامع البيان 29/222.
[72603]:- ما بين قوسين (يقسم – الدنيا) ساقط من أ.
[72604]:- كذا في م. وفي أ: وسمنهم. ث: ونهـ ثم بياض. ولعلها بالتمام ونهمهم أو: ونهمتهم. "والنهمة بلوغ الهمة في الشيء، ومنه النهم من الجوع". النهاية لابن كثير 5/138 وهذا المعنى مناسب لسياق الحديث إلا أن الثابت في جامع البيان 29/223: "وهِمَّتهم" والهِمَّة من هم بالأمر يهم: إذا عزم عليه، والجمع: همم، يقال: إنه لبعيد الهمة والهمة. انظر النهاية لابن الأثير 5/274 واللسان: (همم).
[72605]:- في النهاية لابن الأثير 2/161 "... مسك أذفر" أي طيب الريح.
[72606]:- جامع البيان 29/223 والدر 8/377 ويشهد لهذا المعنى حديث أخرجه الدارمي في سننه 2/334، كتاب الرقائق، باب في أهل الجنة ونعيمها عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة فقال رجل من اليهود إن الذي يأكل ويشرب تكون منه الحاجة، فقال: يفيض من جلده عرق فإذا بطنه قد ضمر".