نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{عَٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضۡرٞ وَإِسۡتَبۡرَقٞۖ وَحُلُّوٓاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٖ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابٗا طَهُورًا} (21)

ولما ذكر الدار وساكنيها من مخدوم وخدم ، ذكر لباسهم بانياً حالاً{[70698]} من الفاعل والمفعول : { عليهم } أي حال كون الخادم والمخدوم {[70699]}يعلو أجسامهم{[70700]} على سبيل الدوام ، وسكن نافع وحمزة الياء على أنه مبتدأ وخبر شارح للملك على سبيل الاستئناف { ثياب سندس } وهو ما رق من الحرير { خضر } رفعه الجماعة صفة لثياب ، وجره ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم صفة لسندس حملاً على المعنى فإنه اسم جنس { وإستبرق } وهو ما غلظ من الديباج يعمل بالذهب ، أو هو ثياب حرير صفاق نحو الديباج - قاله في القاموس{[70701]} ، رفعه ابن كثير ونافع وعاصم نسقاً على ثياب ، وجره الباقون على سندس .

ولما كان المقصود لأرباب اللباس الفاخر الحلية ، أخبر عن تحليتهم ، وبني الفعل للمفعول دلالة على تيسر ذلك لهم وسهولته عليهم فقال : { وحلّوا } أي وجدت تحلية المخدومين والخدم { أساور من فضة } وإن كانت تتفاوت بتفاوت الرتب ، وتقدم سر تخصيص هذه السورة بالفضة والأساورة بجمع{[70702]} ما فيها من لذة الزينة لذة اتساع الملك فإنها كناية عنه فإنه - كما قال الملوي - كان في الزمن القديم-{[70703]} إذا ملك ملك أقاليم عظيمة كثيرة لبس سواراً وسمي الملك المسور لاتساع مملكته وعظمتها وكثرة أقاليمها ، وإن لم تجمع أقاليم لم يسور فما ظنك بمن أعطى من ذلك جمع الكثرة ، وهي بالغة من الأعضاء ما يبلغه التحجيل في الوضوء كما قال صلى الله عليه وسلم : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " فلذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يرفع الماء{[70704]} إلى المنكبين وإلى الساقين .

ولما كان ربما ظن بما تقدم من ذلك الممزوج شيء من نقص لأجله يمزج كما هو في الدنيا ، وكان قد قال أولاً { يشربون } بالبناء للفاعل ، وثانياً ( يسقون ) بالبناء للمفعول ، قال بانياً للفاعل بياناً لفضل ما يسقونه في نفسه وفي كونه من عند الإله الأعظم المتصف بغاية الإحسان على{[70705]} صفة من العظمة تليق بإحسانه سبحانه بما أفاده إسناد{[70706]} الفعل إليه : { وسقاهم } وعبر بصفة الإحسان تأكيداً لذلك{[70707]} فقال : { ربهم } أي الموجد لهم المحسن إليهم المدبر لمصالحهم { شراباً طهوراً * } أي ليس هو كشراب الدنيا سواء كان من الخمر أو من الماء أو{[70708]} من غيرهما ، بل هو بالغ الطهارة والوصف بالشرابية من العذوبة واللذة واللطافة ، وهو مع ذلك آلة للتطهير البالغ للغير فلا يبقى {[70709]}في بواطنهم{[70710]} غش ولا وسواس ، ولا يريدون إلا ما يرضي مليكهم مما أسس{[70711]} على غاية الحكمة وفاق كامل وسجايا مطهرة وأخلاق مصطفاة لا عوج فيها ، ولا يستحيل شيء من شرابهم إلى نجاسة من بول ولا غيره ، بل يصير رشحاً كرشح المسك ويعطي الرجل شهوة مائة رجل في الأكل وغيره ، فإذا أكل شرب فطهر باطنه ورشح منه المسك فعادت الشهوة ، بل الحديث يدل على أن شهوتهم لا تنقضي أصلاً فإنه قال :

" يجد لآخر لقمة من اللذة ما يجد لأولها "


[70698]:من ظ و م، وفي الأصل: حالهم.
[70699]:من ظ و م، وفي الأصل: حسامهم.
[70700]:من ظ و م، وفي الأصل: حسامهم.
[70701]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70702]:من ظ و م، وفي الأصل: بجميع.
[70703]:زيد من ظ و م.
[70704]:سقط من ظ و م.
[70705]:من ظ و م، وفي الأصل: غير.
[70706]:من ظ و م، وفي الأصل: إسناده.
[70707]:زيد من ظ و م.
[70708]:من ظ و م، وفي الأصل "و".
[70709]:في ظ: ببواطنهم.
[70710]:في ظ: ببواطنهم.
[70711]:من ظ و م، وفي الأصل: أسر.