تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{عَٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضۡرٞ وَإِسۡتَبۡرَقٞۖ وَحُلُّوٓاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٖ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابٗا طَهُورًا} (21)

الآية 21 : وقوله تعالى : { عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق } فجائز أن يكون أراد بالعالي ما علا من المكان الذي هم فيه ، فيخبر أن في أعلى أماكنهم ثياب خضر من سندس كما هو في المكان الذي[ هو ]{[22885]} أسفل موضع جلوسهم ، لأنهم يكونون على الأرائك والحجال{[22886]} فيكون ما تحت الحجال{[22887]}والأرائك من الأماكن{ ونمارق مصفوفة } { وزرابيّ مبثوثة }[ الغاشية : 15و16 ] ويكون عاليها كذلك .

فإن كان على هذا فرق بين أن يكون فرش ذلك المكان من حرير وديباج غليظ إن أريد بالإستبرق الديباج الغليظ ، وبين أن يكون من ديباج رقيق ، إذ كل ذلك مما يرغب في مثله ، والله أعلم .

وقيل : { عاليهم } أي أعلى ثيابهم{ ثياب سندس خضر وإستبرق } وقال بعضهم : عالي أنفسهم{ ثياب سندس خضر } ومنهم من صرف السندس والإستبرق إلى ما بسط ، لأن الديباج الغليظ مما لا ترغب الأنفس إلى لبس مثله ، فجمع بين ما يلبس وبين ما يفرش ، وبين الفعل في أحدهما ، ولم يذكر في الآخر .

ومنهم من قال : { عاليهم } هم الولدان يطوفون من أعاليهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وحلوا أساور من فضة } فبشرهم بالأساور من الفضة ، لأن الفضة مستحسنة بنفسها لبياضها ، والذهب استحسانه لندرته وعزته ، ليس لنفسه ، لأنه أصفر ، والأعين لا تستحسن هذا اللون ، فجرت البشارة بالفضة لا بالذهب .

وقال بعضهم : يحلّى الرجال بأسورة من الفضة على ما أبيح لهم التحلي بخاتم في الدنيا ، وتحلى النساء بأساور الذهب على ما أبيح لهن بها في الدنيا .

وقوله تعالى : { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } قيل : هو الخمر ، يطهر من الآفات ومن كل مكروه ، ويطهر قلوبهم من الغل ، فيعمل ذلك الشراب في تطهير الظاهر والباطن . وشارب الدنيا يطهر ظاهر البدن ، وباطن البدن ينجّسه{[22888]} الشراب .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مئة رجل في الأكل والشراب والجماع ) فقال يهودي : إن الذي يأكل ، ويشرب تكون له الحاجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حاجة أحدهم عرق يفيض من جسده ، فيضمر لذلك بطنه )[ أحمد4/376 والنسائي في الكبرى11478 ] .

والأصل أنك قد ترى الطعام الذي يطعمه الإنسان في الدنيا تبقى قوته في البدن حتى يظهر ذلك في كل جارحة من جوارحه ، وكذلك شهوته تبقى فيها ، ثم يخرج التفل منها والفضل .

فجائز أن يرفع الله تعالى عن ذلك الطعام الفضل الذي يزايل إليه ، فيكون طعامهم ذلك اللطيف الذي يبقى في النفس .


[22885]:ساقطة من الأصل و م.
[22886]:في الأصل و م: الأحجال.
[22887]:في الأصل وم: الأحجال
[22888]:في الأصل و م: وينجس.