غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{عَٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضۡرٞ وَإِسۡتَبۡرَقٞۖ وَحُلُّوٓاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٖ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابٗا طَهُورًا} (21)

1

من قرأ { عاليهم } بسكون الياء فعلى أنه مبتدأ { وثياب سندس } خبر أي ما يعلوهم من لباسهم ثياب سندس ومن قرأ بالنصب فعلى أنه ظرف بمعنى فوق فيكون خبراً مقدماً . ويجوز أن يكون نصباً على الحال من ضمير الأبرار أي ولقاهم نضرة وسروراً . حال ما يكون عاليهم ثياب سندس . أو يطوف عليهم أي على الأبرار ولدان حال ما يكون عاليهم ثياب سندس . ويحتمل أن يكون العامل { رأيت } والمضاف محذوف والتقدير رأيت أهل نعيم وملك عاليهم ثياب سندس . من قرأ { خضر } بالرفع فظاهر ، ومن قرأ بالجر فعلى الجوار أو على أنه صفة سندس بالاستقلال لأنه جنس فكان في معنى الجمع كما يقال : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض . وأما الرفع في { إستبرق } فللعطف على ثياب ، والجر للعطف على سندس . وكلاهما ظاهر . قوله { وحلوا أساور من فضة } إن كان الضمير للولدان فلا إشكال لأن أساور المخدومين تكون من ذهب كما قال سبحانه في مواضع { يحلون فيها من أساور من ذهب } [ الكهف :31 ] وأساور الخدام من فضة . وإن كان الضمير للأبرار فلا إشكال أيضاً فلعلهم يسورون بالجنسين إما على المعاقبة وإما على الجمع . وما أحسن بالمعصم أن يكون فيه سواران سوار من ذهب وسوار من فضة . وأيضاً فالطباع مختلفة فرب إنسان يكون استحسانه لبياض الفضة ، ورب إنسان يكون استحسانه لصفرة الذهب فالله تعالى يعطي كل أحد بفضله ما تكون رغبته فيه أتم . وقال بعض أهل التأويل : أساور اليد أعمالها وأكسابها التي صارت ملكات نورانية بها يتوسل إلى جوار الحضرة الصمدية كما أن الذهب والفضة في الدنيا وسائل إلى تحصيل المطالب العاجلة . ثم ختم جزاء الأبرار بقوله { وسقاهم ربهم شراباً طهوراً } هو إما مبالغة طاهر والمراد أنها ليست بنجسة كخمور الدنيا ولا مستقذرة طبعاً لمساس الأيدي الوضرة والأقدام النجسة والدنسة ، ولا تؤل إلى النجاسة ولكنها ترشح عرقاً من أبدانهم له ريح كريح المسك . وإما مبالغة مطهر . قال أبو قلابة : يؤتون بالطعام والشراب ممزوجاً بالكافور والزنجبيل فإذا كان ذلك سقوا هذا الشراب فتظهر بذلك بطونهم ويفيض عرق من جلودهم كريح المسك . وذكر أصحاب التأويل أن الأنوار الفائضة من العالم العلوي متفاوتة في الصفاء والقوة والتأثير فبعضها كافورية طبعها البرد واليبس ويكون صاحبها في الدنيا في مقام الخوف والبكاء والقبض ، وبعضها زنجبيلياً على طبع الحر واليبس ويكون صاحبها قليل الالتفات إلى ما سوى الله قليل المبالاة بالجسمانيات ، ثم لا يزال الروح الإنساني ينتقل من نوع إلى نوع ومن مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى حضرة نور الأنوار فيضمحل في نور تجليه سائر الأنوار ، وهذا آخر سير الصديقين ومنتهى درجاتهم في الارتقاء إلى مدراج الكمال ، فلهذا أضاف السقي إلى ذاته قائلاً { وسقاهم ربهم } .

/خ31