قوله تعالى : { قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا } ، من الأوثان . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان شعيب عليه السلام كثير الصلاة . لذلك قالوا هذا . وقال الأعمش : يعني : أقراءتك .
قوله تعالى : { أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } من الزيادة والنقصان . وقيل : كان شعيب عليه السلام نهاهم عن قطع الدنانير والدراهم وزعم أنه محرم عليهم ، فقالوا : أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء من قطعها .
قوله تعالى : { إنك لأنت الحليم الرشيد } قال ابن عباس رضي الله عنهما : أرادوا : السفينة الغاوي ، والعرب تصف الشيء بضده فتقول : للديغ سليم وللفلاة مفازة . وقيل : قالوه على وجه الاستهزاء . وقيل : معناه الحليم الرشيد بزعمك . وقيل : هو على الصحة أي إنك يا شعيب فينا حليم رشيد ، لا يجمل بك شق عصا قومك ومخالفة دينهم ، كما قال قوم صالح عليه السلام : { قد كنت فينا مرجواً قبل هذا } [ هود-62 ] .
فجاءوا{[14865]} يهرعون إليه . يقولون له على سبيل التهكم ، قَبَّحهم الله : { أَصَلاتُكَ } {[14866]} ، قال الأعمش : أي : قرآنك{[14867]} { تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } أي : الأوثان والأصنام ، { أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } فنترك التطفيف{[14868]} على قولك ، هي أموالنا نفعل فيها ما نريد .
[ قال الحسن ]{[14869]} في قوله : { أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا }{[14870]} إيْ والله ، إن صلاته لتأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم .
وقال الثوري في قوله : { أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } يعنون الزكاة .
وقولهم : { إِنَّكَ لأنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } قال ابن عباس ، وميمون بن مِهْرَان ، وابن جُرَيْج ، وابن أسلم ، وابن جرير : يقولون ذلك - أعداء الله - على سبيل الاستهزاء ، قبحهم الله ولعنهم عن رحمته ، وقد فَعَلْ .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ يَشُعَيْبُ أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نّفْعَلَ فِيَ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنّكَ لأنتَ الْحَلِيمُ الرّشِيدُ } .
يقول تعالى ذكره : قال قوم شعيب : يا شُعَيْبُ ، أصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ عبادة ما يَعْبُدُ آباؤُنا من الأوثان والأصنام ، أوْ أنْ نَفْعَلَ فِي أمْوَالِنا ما نَشاءُ ، من كسر الدراهم وقطعها ، وبخس الناس في الكيل والوزن . { إنّكَ لأَنْتَ الحَلِيمُ } ، وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لم يكن ليفعله في حال الرضى ، { الرّشِيدُ } ، يعني : رشيد الأمر في أمره إياهم أن يتركوا عبادة الأوثان . كما حدثنا محمود بن خداش ، قال : حدثنا حماد بن خالد الخياط ، قال : حدثنا داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم ، في قول الله : { أصلاتُك تأمُرُك أن نَتْرُك ما يَعْبُدُ آباؤُنا أوْ أنْ نَفْعَل في أمْوَالِنا ما نَشاءُ ، إنّكَ لاَءَنْتَ الحَلِيمُ الرّشيدُ } ، قال : كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم ، أو قال : قطع الدراهم . الشك من حماد .
حدثنا سهل بن موسى الرازي ، قال : حدثنا ابن أبي فُدَيك ، عن أبي مودود ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : بلغني أن قوم شعيب عذّبوا في قطع الدراهم ، وجدت ذلك في القرآن : أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أن نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أو أن نَفْعَل في أمْوَالِنا ما نَشاءُ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : عذّب قوم شعيب في قطعهم الدراهم ، فقالوا : { يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أن نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أو أن نَفْعَلَ في أمْوَالِنا ما نَشاءُ } .
قال : حدثنا حماد بن خالد الخياط ، عن داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم ، في قوله : { أو أن نَفْعَلَ فِي أمْوَالِنا ما نَشاءُ } ، قال : كان مما نهاهم عنه : حذف الدراهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { قالُوا يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أوْ أنْ نَفْعَلَ فِي أمْوَالِنا ما نَشاءُ } ، قال : نهاهم عن قطع الدنانير والدراهم ، فقالوا : إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء ، إن شئنا قطعناها ، وإن شئنا حَرّقناها ، وإن شئنا طرحناها .
قال : وأخبرنا ابن وهب ، قال : وأخبرني داود بن قيس المري أنه سمع زيد بن أسلم يقول في قول الله : { قالُوا يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أوْ أنْ نَفْعَلَ فِي أمْوَالِنا ما نَشاءُ } ، قال زيد : كان من ذلك قطع الدراهم .
وقوله : { أصَلاتُكَ } ، كان الأعمش يقول في تأويلها ما :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري عن الأعمش ، في قوله : { أصَلاتُكَ } ، قال : قراءتك .
فإن قال قائل : وكيف قيل : { أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } ، وإنما كان شعيب نهاهم أن يفعلوا في أموالهم ما قد ذكرت أنه نهاهم عنه فيها ؟ قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت .
وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك ؛ فقال بعض البصريين : معنى ذلك : أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، أن أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، وليس معناه : تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، لأنه ليس بذا أمرهم .
وقال بعض الكوفيين نحو هذا القول ، قال : وفيها وجه آخر يجعل الأمر كالنهي ، كأنه قال : أصلاتك تأمرك بذا وتنهانا عن ذا ؟ فهي حينئذ مردودة على أن الأولى منصوبة بقوله «تأمرك » ، وأن الثانية منصوبة عطفا بها على «ما » التي في قوله : " ما يَعْبُدُ " . وإذا كان ذلك كذلك ، كان معنى الكلام : أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ؟ وقد ذكر عن بعض القرّاء أنه قرأه «ما تَشاءُ » ، فمن قرأ ذلك كذلك فلا مؤنة فيه ، وكانت «أن » الثانية حينئذ معطوفة على «أن » الأولى .
وأما قولهم لشعيب : { إنّكَ لأَنْتَ الحَلِيمُ الرّشِيدُ } ، فإنهم أعداء الله قالوا ذلك له استهزاء به ، وإنما سفهوه وجهلوه بهذا الكلام . وبما قلنا من ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { إنّكَ لأَنْتَ الحَلِيمُ الرّشِيدُ } ، قال : يستهزئون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { إنّكَ لأَنْتَ الحَلِيمُ الرّشِيدُ } ، المستهزءون يستهزئون بأنك لأنت الحليم الرشيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.