السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

{ قالوا } له { يا شعيب } سموه باسمه استخفافاً وغلظة وأنكروا عليه متهزئين به { أصلواتك تأمرك } ، أي : تفعل معك فعل من يأمر دائماً بتكليفنا { أن نترك ما يعبد } ، أي : على سبيل المواظبة { آباؤنا } من الأصنام ، فحذف الذي هو التكليف ؛ لأنّ الإنسان لا يؤمر بفعل غيره ، قالوا له ذلك في جواب أمره لهم بالتوحيد { أو } نترك { أن نفعل } ، أي : دائماً { في أموالنا ما نشاء } من قطع الدراهم والدنانير وإفساد المعاملة والمقامرة ونحوها مما يكون إفساداً للمال ، قالوا ذلك في جواب النهي عن التطفيف والأمر بالإيفاء ، وإنما أضافوا ذلك إلى صلاته تهكماً واستهزاء بها وإشعاراً بأن مثل هذا لا يدعو إليه داع عقلي ، وإنما دعاك إليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه ، وكان شعيب عليه الصلاة والسلام كثير الصلاة في الليل والنهار ، وكان قومه إذا رأوه يصلي تغامزوا وتضاحكوا . وقصدوا بقولهم : { أصلواتك تأمرك } السخرية والهزء ، كما أنك إذا رأيت معتوهاً يطالع كتباً ثم يذكر كلاماً فاسداً فيقال له : هذا فائدة مطالعة تلك الكتب على سبيل الهزء فكذا هنا . وقرأ حفص وحمزة والكسائي : أصلاتك بالإفراد ، والباقون بالجمع والتاء بالرفع في القراءتين ، وغلظ ورش اللام في أصلواتك ، وقولهم له : { إنك لأنت الحليم الرشيد } تهكم به ، وقصدوا وصفه بضدّ ذلك كما يقال للبخيل الخسيس : لو رآك حاتم لسجد لك ، وعللوا إنكار ما سمعوه منه واستبعدوه بأنه موسوم بالحلم والرشد المانعين من المبادرة إلى مثل ذلك .