الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

وقولهم : { أصلواتك تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَآ } [ هود : 87 ] قالت فرقة : أرادوا الصلواتِ المعروفةَ ، وروي أن شعيباً عليه السلام كان أكْثَرَ الأنبياءِ صلاةً ، وقال الحسنُ : لم يَبْعَث اللَّهُ نبيًّا إِلا فرض عَلَيْه الصَّلاة والزَّكَاة ، وقيل : أرادوا : أدعواتُكَ ، وذلك أنَّ من حَصَّل في رتبةٍ مِنْ خيرٍ أَو شَرٍّ ، ففي الأكثر تَدْعُوه رتبته إِلى التزيُّد من ذلك النوْعِ ، فمعنى هذا : لما كنْتَ مصلِّياً ، تجاوزْتَ إِلى ذمِّ شرعنا وحالِنا ، فكأن حاله من الصلاة جَسَّرته علَى ذلك ، فقيل : أَمَرَتْه ؛ كما قال تعالَى : { إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45 ] .

قال ( ص و ع ) : { أَوْ أَن نَّفْعَلَ } [ هود : 87 ] معطوفٌ على { مَا يَعْبُدُ } ، و«أو » للتنويعِ ، انتهى . وظاهر حالِهِمُ الذي أشاروا إِليه هو بَخْسُ الكيل والوَزْنِ الذي تقدَّم ذكره ، وروي أن الإِشارة إِلى قَرْضِهِمْ الدِّينار والدِّرْهم ، وإِجراء ذلك مع الصَّحِيح على جهة التدْلِيسِ ؛ قاله محمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيِّ ، وتؤوَّل أيضاً بمعنى تبديلِ السِّكَك التي قصد بها أكْلُ أموالِ الناس .

قال ابنُ العربيِّ : قال ابن المسيَّب : قطع الدنانير والدَّرَاهم مِنَ الفَسَاد في الأرْضِ ؛ وكذلك قال زيد بن أسْلَمَ في هذه الآية ، وفَسَّرها به ، ومثله عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ من رواية مالكٍ ، قال ابنُ العَرَبِيِّ : وإِذا كان قَطْعُ الدنانير والدَّراهمِ وقَرْضُها من الفسَادِ ، عُوقِبَ مَنْ فَعَلَ ذلك ، وقَرْضُ الدراهم غَيْرُ كَسْرها ؛ فإِن الكسر : فسادُ الوصفُ ، والقَرْض : تنقيصٌ للقَدْر ، وهو أَشَدُّ من كَسْرها ، فهو كالسرقة . انتهى من «الأحكام » مختصراً ، وبعضه بالمعنَى .

وقولهم : { إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد } .

قيل : إِنهم قالوه ؛ على جهة الحقيقة ، أي : أنت حليم رشيدٌ ، فلا ينبغي لك أنْ تَنْهَانا عن هذه الأحوالِ ، وقيل : إِنما قالوا هذا ؛ على جهة الاستهزاء .